من عادات ومميزات العلاقات الدولية هو التوتر الذي يرافق العلاقات بين الدول الجيران بسبب التاريخ المشترك الذي يكون شائكا، ويكتسب هذا المفهوم أبعادا أكبر عندما يتعلق بدول تختلف اختلافا بسبب الدين والثفافة والتاريخ الشائك مثل المغرب واسبانيا، ألا أن سنة 2013 تجاوزت هذا المفهوم نجو علاقات مستقرة لأول مرة منسذ سنوات طويلة جدا. وتمت هذا الهدوء وفق صيغة تفاهم غير متفق عليها علانية وهي تجميد المغرب للمطالبة بسبتة ومليلية المحتلتين وتبني اسبانيا موقفا مؤقتا يميل لصالح اسبانيا في نزاع الصحراء المغربية.
وكان وصول الحزب الشعبي المحافظ الى الحكم وهو الحزب الذي يثير الكثير من الحساسية في المغرب ووصول الحزب الإسلامي حزب العدالة والتنمية في المغرب الى السلطة على رأس ائتلاف سياسي واسع مع أواخر سنة 2011 وبداية 2012 قد جعل المراقبين يعتقدون في انفجار وارد للعلاقات الثنائية. ومرت سنة 2012 بدون مشاكل، وعاد المراقبون للحديث عن المشاكل سنة 2013 لكن هذه المرة بدورها لم تحدث.
وساعدت عدد من العوامل على مرور العلاقات المغربية-الإسبانية بنوع من الهدوء وليس التحسن وأساسا تجميد ملفات الخلاف سنة 2013 والأزمات الداخلية الاقتصادية التي تؤرق بالي حكومتي البلدين أكثر من العلاقات الدولية الخارجية.
في هذا الصدد، تبنت الدبلوماسية المغربية الصمت المطلق في الملف نزاع التاريخي سبتة ومليلية المحتلتين. إذ اعتاد المغرب تحريك هذا الملف في كل الأعياد الوطنية مثل عيد الاستقلال أو عندما تطالب اسبانيا الحكومة البريطانية بتصفية الاستعمار عن صخرة جبل طارق. وأصبح المسؤولون المغاربة وعلى رأسهم الملك محمد السادس لا يتحدثون عن هذا الملف الذي غاب حتى عن الخطب الملكية بما فيها خطاب عيد الاستقلال. وجرت مرة واحدة الإشارة غير المباشرة الى هذا الملف سنة 2013 في الرسالة التي وجهها الملك الى لقاء السفراء المغاربة.
وبدورها تلتزم الأحزاب المغربية الصمت الكلي في هذا الملف ولم تعد تستطع الإشارة إليه، ويبقى من غريب الصدف أن تتفق الأحزاب على الصمت إذا لم تكن قد توصلت بتعليمات ما.
ومقابل الصمت المغربي، نهجت حكومة مدريد موقفا يميل الى المغرب في ملف الصحراء. فهذا البلد الأوروبي الذي كان قوة استعمارية في الصحراء مازالت الأمم المتحدة تستشيره في كل الخطوات نحو البحث عن الحل. وفي الوقت الذي عانى المغرب أحلك فترة خلال السنوات الأخيرة في هذا الملف، وبالضبط عندما أرادت الولايات المتحدة تكليف قوات المينورسو في الصحراء الغربية مراقبة حقوق الإنسان، مما كان سيشكل ضربة قوية للمغرب، أعربت مدريد عن موقف متحفظ وعملت في الكواليس لصالح معارضة المقترح الأمريكي.
وعلاوة على هذا، شهدت العلاقات الثنائية هزات حقيقية، أبرزها في ملف أزمة العفو الملكي المغربي عن مغتصب الأطفال دنييل غالفان، حيث تبادل المغرب واسبانيا الاتهمامات بشكل غير مباشر حول من يتحمل المسؤولية ولكن جرى لاحقا الاتفاق على تجاوز الأزمة عبر إعادة اعتقال غالفان وإيداعه السجن في اسبانيا.
في الوقت ذاته، لقي مواطنان من سكان مليلية حتفهما على يد القوات البحرية الملكية المغربية في عرض البحر خلال أكتوبر الماضي، ويشكل هذا الملف أزمة صامتة بين البلدين، ولكنهما فضلا الرهان على معالجته في صمت رغم الضغوطات التي تمارسها أطراف سياسية اسبانية من أجل تدويل الملف بعدما وصل الى البرلمان الإسباني.
ويبقى التعاون الكبير سنة 2013 في ملف الهجرة السرية التي تعتبر رئيسية في أجندة اسبانيا والاتحاد الأوروبي، إذ اصبح التعاون هو سمة سنة 2013 بدل الاتهامات التي سيطرت في الماضي.
ومن ضمن العوامل الأخرى التي جعلت سنة 2013 هي سنة الاستقرار التحديات الداخلية التي يمر منها المغرب واسبانيا، فهذا البلد المغاربي مازال يحاول السيطرة على رياح الربيع العربي، بينما اسبانيا تواجهها أخطر أزمة اقتصادية ثم أزمة تهديد إقليم كتالونيا بالانفصال عن اسبانيا.
وهكذا، فقد شهدت العلاقات الثنائية بين المغرب واسبانيا هدوءا وليس تحسنا، وذلك بفضل تجميد المغرب لملف سبتة ومليلية مقابل انحياز غير مباشر لمدريد للموقف المغرب في الصحراء.