بعد إسقاط «أف 16» هل ستراهن السعودية على إسرائيل حليفا؟

ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان أحد دعاة التطبيع مع إسرائيل

قال عدد من مسؤولي إسرائيل إن إسقاط طائرة «أف 16» يعد بداية تغيير في قواعد اللعبة العسكرية في الشرق الأوسط، وردد الإيرانيون التقييم نفسه، بينما كان الصوت الوحيد والمتبني للرأي نفسه من العربية السعودية هو الجنرال المتقاعد أنوار عشقي. ويترتب عن هذا المستجد الخطير نتائج عسكرية وسياسية في آن.
والطائرة التي أسقطتها مضادات طيران من سوريا هي من نوع «أف 16 إي»، وهي نسخة معدلة ومتقدمة جدا، بل تتفوق على النسخة الأمريكية في التشويش الإلكتروني والمراوغة والدفاع، رغم أنها صناعة أمريكية أيضا. وتعد «أف 16» جوهرة سلاح الجو الإسرائيلي الذي ضمن لها تفوقا بشكل رهيب منذ توصلها بأول دفعة سنة 1980 وتتوفر الآن على أكثر من 340 منها، الأكبر بعد الولايات المتحدة التي تتوفر على أكثر من ألفي طائرة.
وبينما كان العرب يعتمدون على اقتناء الدبابات والمدرعات كانت إسرائيل ومنذ نشأتها تركز على سلاح الجو لضمان تفوق حقيقي. وتفوق سلاح الجو الإسرائيلي، خاصة «أف 16» لا يعني فقط التفوق على سلاح جو الدول العربية، بل الأدوار الموكلة له برا وبحرا وجوا. وكانت «أف 16» الفاصل لمنع تقدم أي مدرعات أو دبابات معادية، كذلك اقتراب سفن معادية من الشواطئ الإسرائيلية، وتوفر الغطاء الناري لتقدم المشاة والمدرعات الإسرائيلية خلال الحرب، وتتولى مهمة القصف القوي في حالة عدم نجاح الدبابات. وهذا ما حصل في حرب صيف 2006، فعندما نجحت قوات حزب الله في إخراج دبابات الميركافا من المواجهة، بإلحاق عطب في عجلاتها الحديدية لمنعها من التقدم، اعتمدت إسرائيل على «أف 16» لضرب الأهداف في بيروت، بل منع أي تقدم لقوات حزب الله.
وبعد إسقاط «أف 16» يوم السبت 10 فبراير 2018، وإصابة أخرى من نوع «أف 15» نزلت اضطراريا، قد يكون النزاع في الشرق الأوسط على عتبة مرحلة عسكرية جديدة ستتغير فيها قواعد اللعبة وعنوانها: نهاية الهيمنة العسكرية الجوية الإسرائيلية. لم تعد «أف 16» تضمن التفوق العسكري الإسرائيلي، في ظل وجود منظومة دفاع جوي متقدمة، ولن يتجدد التفوق الجوي ولو حصلت على «أف 35». وأصبح حلم إسرائيل العربدة ضد سوريا صعب، بل ضرب أهداف في إيران من المستحيل لسببين، الأول وهو توفر إيران على منظومة دفاع جوي متقدمة للغاية، والثانية أن بعد المسافة بين البلدين تجعل سلاح الجو الإسرائيلي غير قادر على تكرار سيناريو ضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1982. إذ على المقاتلات الإسرائيلية قطع مسافة طويلة تقترب من ثلاثة آلاف كلم، وإن تزودت بالوقود وتركتها دول تمر من أجوائها، سيكون للمضادات الإيرانية الوقت الكافي لمواجهة هذه الطائرات. يتمنى خبراء إسرائيل العسكريين والسياسيين أن يكون السلاح الذي أسقط «أف 16» من صنع روسي محض، لأنه يمكن التفاوض مع روسيا والتوصل لتفاهمات لكيلا تفوت هذا السلاح مقابل عدم مهاجمة سوريا مستقبلا. لكن المصيبة الحقيقية لإسرائيل أن يكون مضاد الطيران صنعا إيرانيا محضا أو تعديلا لمضادات روسية.
التقارير الأولية التي تشير إلى صواريخ سام قد تكون من باب الخدع، علما أن إسرائيل لا تكشف الحقائق في الجانب العسكري. ومن ضمن الأمثلة، صمتها حتى الآن على نوعية الأضرار والخسائر التي تعرضت لها دبابة الميركافا في مواجهة حزب الله سنة 2006. لقد حدث هذا التطور في وقت تتواجد فيه القوات الإيرانية وحزب الله على مسافة قريبة من الحدود الإسرائيلية، فهي ستبقى في سوريا، وهو السيناريو الذي حاولت دائما إسرائيل تجنبه. وإذا تراجع دور الطيران نسبيا وليس كليا بطبيعة الحال، فالحرب ستصبح مجددا كلاسيكية، أي المواجهات البرية، خاصة حرب القوات الخاصة. وعلى المدى الطويل، هذا لا يخدم مصالح إسرائيل نهائيا لعدم توفرها على خزان بشري. كما لا يستبعد رهان إسرائيل على حرب الصواريخ إذا فقدت امتياز الطيران.
وعلى مستقبل التحالفات السياسية في المنطقة يحدث هذا التطور، في وقت كانت بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات تتقرب كثيرا لإسرائيل، اعتقادا منها أنها قادرة على مواجهة إيران والانتصار عليها في الحرب. لقد اعتقدت المخابرات العسكرية السعودية في هذا السيناريو، ولهذا ظهرت أصوات تغازل إسرائيل، وبدأت تعتبرها حليفا مستقبلا. وكم من الإعلاميين والخبراء وكتاب الرأي تجندوا طيلة الأشهر الماضية للتأكيد على خطر إيران على العرب السنة وليس إسرائيل، وبدأ الحديث عن زيارات سرية لمسؤولين سعوديين كبار الى تل أبيب للتنسيق لإنشاء حلف عسكري ضد «الفرس». والآن يتبين مدى خطأ السعودية واعتمادها على خبراء غربيين من الدرجة الثالثة للحصول على استشارات. لم تدرك السعودية مواقف أطراف فاعلة في الإدارة العسكرية العميقة للولايات المتحدة، التي كانت تتحفظ دائما على مواجهة إيران، لأن كل حرب ستحمل نتائج سلبية أكثر منها إيجابية ولو انتصرت واشنطن. وعلى رأس هذه الأطراف المخابرات العسكرية الأمريكية (DIA)والقيادة الأمريكية للعمليات الخاصة، ذات الثقل الوازن في اتخاذ القرارات العسكرية الكبرى في الولايات المتحدة. وتؤكد هذه الأطراف على أنه «يمكن مواجهة إيران والانتصار عليها، لكن الانتصار سيكون بطعم الهزيمة لأن الجيش الإيراني قد يقضي على أكثر من 15% من القوة الأمريكية، ولا يمكن السماح بحدوث هذا في وقت يبقى مصدر الخطر الحقيقي هو الروسي – الصيني وليس قوة متوسطة لا يتعدى نفوذها ما هو إقليمي مثل إيران». هذا ما يجعل البنتاغون لا يميل لمخططات إسرائيل بمهاجمة إيران رغم شراسة عنف تصريحات الرئيس دونالد ترامب. قال الجنرال السعودي عشقي بتغيير في قواعد اللعبة بعد سقوط «أف 16»، فهل ستستمر الرياض في الرهان على إسرائيل التي لم تعد تتمتع بالقوة نفسها؟
إن سقوط طائرة واحدة بمضاد للطيران، وهي طائرة متطورة للغاية، يشكل بداية منعطف مهم في الخريطة العسكرية للشرق الأوسط وسيقود إلى تغييرات، منها التزام إسرائيل الهدوء مستقبلا بدون شك. وهنا يبرز دور الأسلحة في صنع الخرائط والقرارات أكثر من الخطب السياسية الرنانة التي لا تحمل تغييرات. في مقال نشرناه في «القدس العربي» بتاريخ 3 أغسطس 2006 بعنوان «توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله»، كتبنا وقتها أن استراتيجية الصواريخ التي نهجها حزب الله سيجعل إسرائيل لن تهاجم لبنان مجددا، كان أغلب المحللين يتحدثون عن حرب وشيكة. مرت 12 سنة، ولم تهاجم إسرائيل. واليوم، بعد سقوط «أف 16»، نحن أمام سيناريو مشابه بدأ يتبلور، لن تكون بطبيعة الحال نهاية مهاجمة إسرائيل لسوريا بل بداية النهاية.

 

المقال من مصدره

Sign In

Reset Your Password