لا أحب نظرية المؤامرة التي تلصق كل شيء بالآخر وهي دليل قاطع على اننا لم نعد نملك أية وسيلة للإقناع ونبحث عن مشجب نعلق عليه هزائمنا التي نرفض الاعتراف بها. لكن عندما تكون ضعيفا والآخر متوغلا فيك، في حياتك الخاصة والعامة يصبح الأمر لا علاقة له بنظرية المؤامرة.
نعرف جيدا انه منذ زمن بعيد والعرب يخوضون حروبا مستميتة ضد الاستعمار بمختلف تجلياته التاريخية وأحقاده ومصالحه. سواء فقد العرب مواقع استراتيجية في التجارة البحرية والبرية، فطريق الحرير العظيم كان يتوغل عميقا في الموانئ والأراضي العربية. ثم اكتشف النفط، فتحولت الأرض العربية إلى أرض ثمينة يجب تفكيكها بهدف تدمير أية قوة ناشئة. رائحة جلبت لها كل الدول التي رهن تقدمها بالطاقة العربية.
هذا كله نعرفه جيدا والدراسات فيه متوفرة بكثافة لكن ان يكون العرب ضد العرب، هو السؤال الذي يستحق ان يطرح. يدل ذلك بشكل واضح على ان كل أدوات الوحدة قد تفككت بقوة ولم يعد شيء يجمعها حتى لا نقول ان العداوة استشرت حتى أصبح من المستحيل إيجاد حل.
الثورات العربية أو ما سمي بالربيع العربي، لم يخلق مناخا صحيا. فقد انقسم العرب بين مناصر وحيادي وعدائي ضد أو مع هذا الربيع. ضد أو مع ما يحدث في سوريا. الشيء نفسه بين مصر والعرب، بين مناصر لانهاء حكم الإخوان المسلمين ومجيء السيسي وبين من هو ضد. عداوات قوية لم تعد الواجهة السياسية وحتى المصلحية قادرة على إخفائها.
إضافة إلى الوضع في ليبيا الذي لا يخدم لا تونس ولا الجزائر ولا مصر ولا الساحل الإفريقي أيضا لأنه يضع المنطقة على حافة المخاطر، إذ أصبح السلاح الذي ألقاه الحلفاء على الأراضي الليبية، أو الذي من ضمن ترسانة القذافي، في غياب الدولة الناظمة أصبح بين أيدي غير مسؤولة لا يحكمها حتى الوازع الديني، إذ البنية التحتية هي بنية تتمدد وتكبر وتفرض نفسها عن طريق تهريب الاسلحة عبر الساحل الصحراوي وتزويد الصراع المالي والنيجيري وغيره مما يضع المنطقة كلها على فوهة بركان. ويضاف إلى تهريب الاسلحة من كل الانواع لدرجة تهديد الطيران المدني، تهريب شبه علني للمخدرات التي تحولت إلى وسيلة للدفع ومقايضة الاسلحة.
وشبكات التهريب أصبحت اليوم منظمة لدرجة انها لو تستمر بدون رادع، ستصبح سلطة قائمة في شكل مافيا تعلي وتنزل المسؤولين وفق المصالح المعلنة أو السرية. وتتدخل في السياسات، بل وتقتل أو تغتال من لا ترضى عنه. نموذج أمريكي لاتيني بدأ يرتسم في الأفق. ولا قوة عربية واعية بمخاطره وتظن الحكومات المستقرة نسبيا انها غير معنية. عمى الأحقاد بين العرب انساهم كل شيء. لم يتعظوا لا بالحياة ولا حتى بالتاريخ. ملوك الطوائف أكلوا على مدى القرون المتتالية. كل مملكة أو إمارة كانت تظن ان الأمر يعني جيرانها ولا يخصها حتى يأتي الفأس على رأسها يكون الوضع قد تخطى عتبات الاستدراك. إضافة إلى العداوات التقليدية بين الإخوة الأعداء التي تحكم العالم العربي. مصر والسودان وإثيوبيا في أفق حرب حول الماء، خطيرة ومدمرة، ستأتي حتما على ما تبقى من الجهود العربية. بين الجزائر والمغرب لا شيء يمنع من تطور الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه. سيكون ذلك المزيد من التمزقات الجهوية. ويخطئ المغرب كما الجزائر إذا ظنا ان الطاحونة ستأكل الثاني دون الأول أو العكس. عندما تتوفر النية الجادة والتفكير بمنطق المصلحة المشتركة، لا مستحيل في تفكيك الخلافات أو وضعها في الثلاجة، وإتاحة الفرصة للمغاربيين، وليس المغرب والجزائر فقط، ليتحولوا إلى نموذج حقيقي للعرب، وقاطرة قوية وحيوية لتطور متميز. العلاقات بين السعودية واليمن الحوثية ليست على ما يرام.
وقد تفرض ترتيبات عسكرية جديدة لا تخلف إلا المزيد من التمزقات داخل كيان المنتصر والمنهزم أيضا. لا أتحدث عن السودان ضد السودان وما يتم رسمه في الأفق القريب للمزيد من التفكك والانهيار. في كل البلاد العربية الدولة لا تشد إلا على خيطين رهيفين، خيط العراقة والقدامة وهو خيط غير مضمون.
وخيط المؤسسة العسكرية التي بقدر ما تُورط مدنيا تخسر موقعها الحيادي ولكنها في الوقت نفسه لا تستطيع غير ذلك في ظل قتل المجتمع المدني، وأمام تفكك كبير وخطير قد يغرق البلاد في الفوضى والهلاك. ماذا كان سيحدث في الجزائر في التسعينيات لو انهارت المؤسسات العسكرية؟ ماذا كان سيحدث في مصر وتونس لو لم يتسلم الجيش زمام الامور.
نستطيع ان نقول ما نريد عن الجيوش العربية التي لم تكن أمامها حلول كثيرة في ظل انهيار الدولة كليا. نحن أمام حالة غير مسبوقة وبعيدين كل البعد عن جيش الانقاذ العربي أيام الثورة العربية، على الرغم من ضعفه. بعيدين عن حرب 73 التي اعادت للعرب بعض عزتهم بعد ان قهروا أسطورة الجندي الذي لا يقهر. بعيدين عن فكرة توحيد جيش عربي لحماية حدوده. العرب ضد العرب ليست مقولة سينمائية: كريمر ضد كريمر، العرب ضد العرب معناه العرب ضد أي مستقبل وضد انفسهم: الانهاك والموت البطيء وحروب بلا معنى واستنزاف للخيرات. كل يوم تكبر سبل الموت واحتمالات الاحتراق والاندثار.
العرب ضد العرب/ واسيني الأعرج
واسيني الأعرج