بعد قرابة سنتين على رأس الائتلاف الحكومي الذي يتزعمه عبد الإله ابن كيران، وعلى ضوء مختلف معطيات الواقع السياسي والاجتماعي والحقوقي، بدأت كفة ميزان هذا الحزب تميل الى الدولة العميقة ويتقمص بعض وزراءه وعلى رأسهم وزير الاتصال مصطفى الخلفي ووزير العدل مصطفى الرميد علاوة على رئيس الحكومة دور التماسيح الذي ندد بهم ابن كيران في البرلمان والتجمعات السياسية والحوارات الصحافية.
ومنذ بداية الموسم السياسي الجديد، فاجأ حزب العدالة والتنمية الحاكم الرأي العام المغربي بقرارات متعددة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا بدأت تجعل منه مرادفعا للدولة العميقة في المغرب.
وبدأت حكومة ابن كيران قرارها بالزيادة في المحروقات وتطبيق نظام المقايسة تطبيقا لتعليمات صندوق النقد الدولي، رغم أن شركاءه في الحكومة مثل حزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية رفضا هذا المنهاج، وانبرى وزراء التيار الإسلامي الى الدفاع عن هذا القرار باسم “المصلحة العليا للبلاد”.
واستمر رئيس الحكومة في تطبيق إجراءات ليبرالية متشددة على رأسها التخفيض من ميزانيات القطاعات الاجتماعية، وتجميد التوظيف والترقية بشكل لم يشهده المغرب من قبل رغم ما يقال عن النمو الاقتصادي الذي يتعدى 4% وفق الحكومة نفسها. وعجز رئيس الحكومة على توفير مناصب الشغل، بينما في حملته الانتخابية وعد المغاربة بمئات من الآلاف من مناصب الشغل.
وسياسيا، رفع حزب العدالة والتنمية شعارات قوية على رأسها رفض أي وساطة بين الملك ورئاسة الحكومة في حالة تولي الحزب السلطة. وبعد قرابة سنتين، وفي الوقت الذي انتظر فيه المغاربة تفعيل الحكومة للدستور وتصبح رئاسة الحكومة ذات شخصية مؤسساتية قوية، تحولت هذه الحكومة الى ما يشبه “جمعية غير حكومية”. وانفرد الديوان الملكي بالقرارات الكبرى، وأصبح ابن كيران يمر عبر مكتب عدوه اللدود المستشار الملكي فؤاد علي الهمة للتواصل مع الملك. وأخلاقيا، حمل الحزب شعارات تشدد على محاربة الفساد ومواجهته في دوائر السلطة والمجتمع. وميدانيا، تبرز القرارات والتصريحات التي يتخذها الحزب ممارسة سياسة متعارضة بشكل كبير، فقد تبنى ابن كيران شعار “عفا الله عما سلف” في تطمينه للفاسدين، ولم يتردد في التنسيق مع الأمين العام لحزب الأحرار صلاح الدين مزوار بعدما كان يتهمه بالفساد وضرورة محاكمته.
ودبلوماسيا، دعا حزب العدالة والتنمية الى التعبئة من أجل استعادة سبتة ومليلية، ودعا الى مسيرات لاستعادتهما، وبعد وصوله الى السلطة، منح اسبانيا تطمينات لم يسبق لأي حكومة مغربية أن قامت بها من قبل. في الوقت ذاته، يشهد ملف الصحراء تراجعا خطيرا، حيث أصبح المغرب محاصرا في المنتديات الدولية وتحولت الصحراء الى عنصر يرهن اتفاقيات المغرب مثل الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي والعلاقات مع الولايات المتحدة.
وحقوقيا، يشكل هذا المجال أكبر المفارقات أخلاقيا وسياسيا في التاريخ القصير للعدالة والتنمية. فقد ارتفعت اعتقالات أعضاء حركة 20 فبراير في عهده، واجتهد وزير الاتصال الخلفي والعدل الرميد في تبرير اعتقال مدير الجريدة الرقمية لكم علي أنوزلا بقانون الإرهاب الذي كان، وفق الحزب، بمثابة سيف دومقليس ضد كل المعارضين.
ويترتب عن هذا التحول الكبير في مسار العدالة والتنمية تراجع نظرة الرأي العام المغربي له، ومن عناوين ذلك الانتقادات التي يتعرض لها في شبكات التواصل الاجتماعي، والمقالات الصحفية التي لم تعد تهادنه خاصة في المجال الحقوقي، وتظاهرات الرفض في الشوارع كما جرى الأحد الماضي وضد بعض وزراءه كما حدث مع وزير الاتصال مصطفى الخلفي في كلية الآداب بأكادير الاثنين من الأسبوع الجاري. وأصبح شعار “ارحل” يتقوى ضد ابن كيران والعدالة والتنمية.
وكان حزب العدالة والتنمية حتى الأمس القريب الى جانب الشعب في مواجهة الدولة العميقة، والآن كل هذه المعطيات تشير الى أن كفة الميزان لدى حزب العدالة والتنمية قد مالت الى الدولة العميقة ضد الشعب، وأصبح وزراءه وعلى رأسهم الخلفي والرميد وابن كيران يبدعون في تأدية دور التماسيح والعفاريت.
ويبقى التساؤل، ماذا سيقدم حزب العدالة والتنمية الى الشعب المغربي كحصيلة في اي انتخابات مقبلة سيخوضها؟