بدأ الاتحاد الأوروبي يقترب من حالة شبيهة لأزمة النفط سنة 1973، إذ تنوي المفوضية الأوروبية مطالبة مواطني الدول الأعضاء بترشيد استعمال الغاز ابتداء من الوقت الراهن. ويأتي هذا التطور نتيجة تخوف من تجميد موسكو لصادرات الغاز. وقد يترتب عن هذا ارتفاع جنوني لأسعار الغاز لاسيما في ظل تراجع قيمة اليورو أمام الدولار والروبل الروسي.
وكان المفوضية الأوروبية قد طلبت خلال مايو الماضي من مواطني الدول الأوروبية الترشيد الطوعي لاستعمال الغاز، لكن بعد مرور شهرين، تنوي قيام الدول الأوروبية، وفق جريدة الباييس عدد الجمعة، بالترشيد العملي والفعلي ابتداء من الأسبوع المقبل تقنين استعمال الغاز لتفادي الأسوأ.
وستطلب المفوضية الأوروبية من الشركات والمواطنين عدم استعمال مكيفات الهواء تحت درجة 25، وقيام الشركات بالبحث عن بديل للغاز أو التخفيض من عملية الإنتاج حاليا. ويدخل هذا ضمن الإجراءات التي قد تسبق إعلان حالة الاستثناء الطاقوي في مجموع الاتحاد الأوروبي. وكانت بعض الدول قد بدأت تطبيق مثل هذه الإجراءات مثل حالة المانيا حيث طلبت السلطات من مواطنيها أن تستغرق مدة الاستحمام دقائق فقط وتفادي استعمال مكيفات الحرارة سوى في الحالات الاستثنائية. وتكتب جريدة دي فيلت الجمعة من الأسبوع الجاري أن الطبقة السياسية تضاعف التحذير من عدم ترشيد استعمال الطاقة وتحذر من ارتفاع الأسعار ثلاث مرات.
وتحمل وثيقة المفوضية الأوروبية التي سيتم بحثها الأربعاء المقبل “ادخر الغاز من أجل شتاء آمن”، حيث تعتقد أن تطبيق الإجراءات من الآن قد يخفف صدمة قطع روسيا للغاز بالثلث. ولا ترى المفوضية الأوروبية حلا للغاز الروسي، حيث لا يمكن لوجيستيا استيراد كميات الغاز المطلوبة عبر السفن من دول مثل قطر والولايات المتحدة.
وبدأت روسيا تطبق سياسة الضغط على أوروبا من خلال تخفيض صادرات الغاز بالثلث تحت ذرائع شتى ومنها مثلا وقف صادرات الغاز عبر خط نوررد ستريم 1 منذ الاثنين الماضي بذريعة صيانة الأنبوب. وتعمل تقريبا كل أنابيب الغاز التي تربط روسيا بدول أوروبا حاليا بنصف قدرتها أو التوقف. وصرح مدير شركة توتال إنيرجي الفرنسي باتريك بوياني أنه يجب العمل على سيناريو نهاية الغاز الروسي.
وبدأت الدول الأوروبية تتخوف من قرارات تقدم عليها موسكو التي قد تقدم على وقف شبه نهائي لصادرات الغاز كرد على العقوبات. في الوقت ذاته، هناك تخوف كبير بسبب تراجع قيمة اليورو أمام باقي العملات ومنها الدولار والروبل الروسي، مما سيجعل استيراد الغاز مكلفا للغاية. ويبقى القلق الكبير أنه إذا قررت موسكو وقف صادرات الغاز، سيرتفع سعر الغاز بشكل جنوبي، ويكفي أنه بعد حرب أوكرانيا تضاعفت الأسعار ما بين ثلاث الى ست مرات.
ونتيجة ثقل الغاز الروسي في خريطة الطاقة الأوروبية، يواجه الاتحاد الأوروبي شبح أزمتين، الأولى وهي على شاكلة النفط سنة 1973 عندما قررت السعودية وقف صادرات النفط الى الغرب، وشهد الغرب أزمة اقتصادية قاسية. في الوقت ذاته، يحلق شبح أزمة أخرى نظرا للتأثير السلبي الخطير على الشركات التي توزع الغاز الروسي. ويبقى العنوان البارز هو المشاكل المالية التي تعاني منها شركة أونبير الألمانية التي تفقد يوميا عشرات الملايين من الدولارات لأنها فقدت 60% من كمية الغاز، وطلبت من حكومة برلين مساعدة بقيمة تسعة مليار يورو لتفادي الانهيار. وبدأ خبراء الاقتصاد في أوروبا يتخفون من حالة “بنك ليمان براذرز” الأمريكي الذي سقط سنة 2008 وتسبب في أكبر الكوارث المالية خلال العقد الحالي. وتناول تلفزيون وإذاعة دويتشه فيله هذا السيناريو المرعب بين أونيبير و2008 إذ أن انهيار شركات الغاز سيؤدي الى سلسلة من الانهيارات في مؤسسات مالية أخرى نظرا للعلاقة المشتبكة بين المؤسسات الاستثمارية.