ترسم منطقة أمريكا اللاتينية وخاصة الجزء الجنوبي منها صورة المنطقة التي تستقل بقرارها السياسي الدولي ولا يتردد بعض زعماءها من التحول الى ضمير للقضايا الإنسانية مثلما حدث مع قضية فلسطين، حيث برزت أصوات جريئة لرؤساء مثل مادورو من فنزويلا وكريستينا من الأرجنتين.
وتشكل أشغال الدورة 69 للجمعية العامة مناسبة للتأكيد على هذا الخط في السياسة الدولية ومنها القضية الفلسطينية. فقد اتخذ زعماء بعض دول المنطقة ومنها البرازيل والتشيلي والأرجنتين والإكوادور مواقف تاريخية بسحب سفرائهم من تل أبيب خلال الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة في الحرب الأخيرة. ويترجم هؤلاء الزعماء موقفهم في الأمم المتحدة، وهو ما يؤكد أن الأمر يتعلق بسياسة واضحة مستمرة في الزمن وليس مرتبطة بفترة معينة.
وكانت رئيسة البرازيل ديلما روسيف سباقة الى الحديث عن القضية الفلسطينية خلال افتتاح أشغال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتأكيدها على علاقات متوترة مع إسرائيل دفعت بسب السفير البرازيلي من تل أبيب بسبب العنف ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وأبرزت ديلما روسيف استحالة الصمت اتجاه ما يجري في قطاع غزة من عنف يذهب ضحيته الأطفال والنساء.
ورغم الجرأة في حديثها، فلم تكن قاسية تجاه إسرائيل لأن البرازيل ترغب في لعب دور في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط وتحافظ على نوع من الوسطية، لكن الخطاب القاسي والمندد بإسرائيل جاء على زعماء آخرين.
في هذا الصدد، كانت الكلمة القوية لرئيسة الأرحنتين كريستينا فيرنانديث التي انتقدت السياسية الغربية التي توظف التهريب وفق أجندتها، وتساءلت عن صمت الغرب على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة مقابل الحديث عن صواريخ حركة حماس. واتهمت الغرب أكثر بتسليح الحركات المتطرفة مثل داعش، قائلة بأن الأسلحة التي تستعمل هذه الحركات غير غربية ومعروف مصدرها. وشكلت كلمة كريستينا صدمة لليهود الأرجنتينيين الذين احتجوا على مضمون الخطاب.
وعلى شاكلة خلفه هوغو تشافيز، قام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بتأييد مطالب فلسطين والتنديد بإسرائيل، وطالب بضرورة الانتقال الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وجعلها عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة.
وتبنى رئيس بوليفيا إيفو موراليس الاستراتيجية نفسها في التنديد بإسرائيل، علما أن بوليفيا قد سحبت سفيرها من إسرائيل منذ سنوات. وكان موراليس من الرؤساء الذين استقبلوا الرئيس الفلسطيني عباس أو مازن. واتخذت بوليفيا خطوة هامة دبلوماسيا بقرارها فتح سفارة فلسطينية في العاصمة لاباث.
وباستثناء كوبا التي تاريخيا تؤيد مطالب فلسطين في الأمم المتحدة، تضامنت الدول الأخرى مثل الإكوادور والتشيلي والأوروغواي مع المطالب الفلسطينية.
وفي الوقت الذي ركزت فيه الكثير من الدول العربية والغبية على ملفات دولية وعلى رأسها داعش، جعلت دول أمريكا اللاتينية الملف الفلسطيني من الأولويات في الأجندة الدولية لهذه المنطقة من العالم.