دخلت العديد من دول العالم، لا سيما العديد من الدول العربية، في تجارب اقتراض واسعة من «صندوق النقد الدولي»، أثارت الكثير من الجدل، وربما الاضطرابات والمظاهرات والانتفاضات أيضًا في أحوال كثيرة، ومع كل تجربة اقتراض تشيع العديد من المصطلحات والتفاصيل المرتبطة بالقرض، وتتسبب في تشتيت ذهن القارئ والباحث حول طبيعة القرض ومآلاته، لذلك يقدم لك هذا التقرير دليلًا مفصلًا بالمصطلحات الاقتصادية التي يراها البعض معقدة، والمرتبطة بتلك القروض.
1- حزمة التكيف الهيكلي «SAP»
سياسات التكيف الهيكلي هي سياسات اقتصادية يجب على الدول اتباعها من أجل التأهل للحصول على قروض جديدة من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وتتطلب برامج التكيف الهيكلي أن تقوم البلدان المقترضة بإدخال نظم سوق حرة على نطاق واسع، مقرونة بضبط مالي، أو تقشف صريح، وتتضمن حزمة التكيف الهيكلي تخفيض قيمة عملات الدول لتخفيض ميزان مدفوعاتها، وخفض العمالة في القطاع العام، وخفض الإنفاق العام لتخفيض عجز الموازنة العامة، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتخفيف اللوائح ورفع القيود من أجل جذب الاستثمار من قبل الشركات الأجنبية.
وقد حازت برامج التكيف الهيكلي على انتقادات حادة؛ بسبب فرض سياسات تقشف على الدول الفقيرة بالفعل، والتي يقع عبئها على عاتق النساء والأطفال وغيرهم من الفئات الضعيفة، كما يعتبر النقاد تلك القروض المشروطة بمثابة أداة للاستعمار الجديد؛ إذ تقدم الدول الغنية عمليات إنقاذ للفقراء – مستعمراتهم السابقة – وفي المقابل يفتح الفقراء بلدانهم أمام الشركات متعددة الجنسيات التي تصب إيراداتها في صالح الدول الغنية، ومن ثم فلا زالت الديناميات الاستعمارية مستعمرة.
2- التقشف «Austerity»
يُعرف التقشف بأنه مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تتعهد بها الحكومة للسيطرة على ديون القطاع العام، وغالبًا ما تتخذ الحكومات تدابير تقشفية حينما يصبح دينها العام كبيرًا جدًا، بحيث تصبح هناك خطورة من عجز الدولة عن سداد ديونها، أو عدم قدرتها على خدمة دينها، أو المدفوعات المطلوبة على الدين.
بشكل عام هناك ثلاثة أنواع من تدابير التقشف: الأول يركز على توليد الدخل من خلال زيادة الضرائب، وغالبًا ما يدعم زيادة في الإنفاق الحكومي بهدف تحفيز النمو وزيادة حصيلة الضرائب، والثاني يطلق عليه أحيانًا نموذج «أنجيلا ميركل»؛ نسبة إلى المستشارة الألمانية ميركل، حيث يركز على رفع الضرائب مع تقليص الوظائف الحكومية غير الأساسية، والأخير يتميز بضرائب أقل، وإنفاق حكومي أقل، وهو النموذج المفضل لدعاة السوق الحرة.
غير أن النموذج الذي ينشده صندوق النقد الدولي من الدول يعد الأشد قسوة، فيما يمكن أن نسميه نموذجًا رابعًا، ويتميز بتطبيق جُل إجراءات التكيف الهيكلي معًا، وهناك خلاف معتبر بين الاقتصاديين حول علاقة التقشف بالضرائب: ففريق يجادل في أن انخفاض الضرائب من الناحية الاستراتيجية سوف يحفز النشاط الاقتصادي؛ مما يؤدي إلى مزيد من الإيرادات، ومن معتنقي تلك الفكرة كان مستشار الرئيس الأمريكي ريجان آرثر لافر.
وفريق كبير من خبراء الاقتصاد يتفقون على أن رفع أسعار الضرائب سيزيد من الإيرادات، وهو التكتيك الذي اتبعته العديد من الدول الأوروبية، مثل اليونان عام 2010، وللتقشف العديد من المخاطر؛ فقد تأتي نتائجه على الاقتصاد بشكل عكسي تمامًا.
3المخاطر السيادية «Sovereign Risk»
المخاطر السيادية كمصطلح اقتصادي تُعرف بمخاطر فشل الدول في تسديد ديونها السيادية، أو ديونها الخارجية، أو ديونها بالعملات الأجنبية، غير عملتها المحلية، ويعني فشل الدولة في دفع ديونها السيادية أنها قد أعلنت إفلاسها× ما يترتب عليه آثار كارثية على الدائنين الذين قد يكونون دولًا أخرى، أو مؤسسات مالية دولية، أو بنوك، أو صناديق استثمارية.
بمجرد عجز دولة عن دفع الديون، تتساقط كرة الثلج مخلفة وراءها أزمة مالية عالمية محتملة. لذا يعتبر البعض مهمة صندوق النقد الدولي في تدوير الديون، وإنقاذ المصارف والدول الغنية في المقام الأول. لذا فغالبًا ما يشترط على الدول التي تلجأ له أن تقوم بسداد الديون السيادية أولًا من قرض الصندوق.
ويعد مؤشر إجمالي الناتج المحلي (GDP) للدولة أحد المؤشرات الأولية التي تساعد الدولة على تحديد موقفها من ديونها السيادية، ومدى قدرتها على السداد، فانخفاض إجمالي الناتج المحلي للدولة بوتيرة أكبر من ديونها السيادية، وخدمة هذا الدين يعد مؤشرًا خطيرًا على احتمالية عجز الدولة عن السداد؛ حيث إنه من خلال الناتج المحلي يمكن للدولة التصدير، ومن ثم الحصول على العملة الأجنبية؛ وبالتالي سداد ديونها السيادية، كما يُمكنها الناتج المحلي الكبير والمتنوع من الاستعاضة عن استيراد بعض السلع والخدمات من الخارج بالعملة الأجنبية التي تقوم باقتراضها.
ومن أبرز علامات المخاطر السيادية في القرن الحادي والعشرين اليونان؛ فالاقتصاد اليوناني كان يعاني من عبء ارتفاع مستويات الديون؛ مما أدى لأزمة ديون حكومية أثرت بشكل عميق على بقية أنحاء الاتحاد الأوروبي، وانخفضت الثقة الدولية في قدرة اليونان على سداد ديونها؛ ما اضطر البلاد إلى اتخاذ تدابير تقشف صارمة.
4- الإنفاق العجزي «Deficit Spending»
يحدث الإنفاق العجزي كلما تجاوزت النفقات الحكومية إيراداتها العامة خلال العام المالي؛ مما يوسع من عجز الموازنة العامة. من الناحية التقليدية يتم تمويل العجز الحكومي من خلال بيع الأوراق المالية العامة، وخاصًة السندات الحكومية.
وفقًا للنظرية الاقتصادية من ناحية الطلب، من الممكن أن تقع الحكومة في الإنفاق العجزي بعد أن يقع الاقتصاد في شرك الركود.
أول من بلور فكرة الإنفاق العجزي كسياسة مالية هو عالم الاقتصاد البريطاني جون كينز. ففي أوقات الركود ينخفض الإنفاق الاستهلاكي، ويرى كينز أن حل تلك المعضلة يمكن أن يتحقق من خلال زيادة مقابلة في الإنفاق الحكومي، الأمر الذي يحافظ على مستوى الطلب الكلي لتجنب ارتفاع مستويات البطالة، غير أن البعض قد يتساءل كيف تزيد الحكومة من إنفاقها وهي تعاني من انخفاض الإيرادات على حساب زيادة النفقات؟
يرى كينز أن ذلك سوف يتم تمويله بالاقتراض، وحينما يصل الاقتصاد لحالة التوظيف الكامل بعد تدخل الحكومة بزيادة الإنفاق لتعوض الإنفاق الاستهلاكي؛ فيمكن للسوق أن يعود إلى وضعه الطبيعي، وحينها يمكن سداد الديون، ولكن قد تظهر مشكلة أخرى هي ارتفاع معدلات التضخم بسبب زيادة الإنفاق الحكومي. في تلك الحالة يعتقد كينز أن الحكومة تستطيع ببساطة زيادة الضرائب وامتصاص الأموال الإضافية من الاقتصاد.
وبالتالي يرى بعض الاقتصاديين، وعلى رأسهم كينز، أن العجز الحكومي يمكن أن يتحول إلى منحة حينما يتم استخدامه كأداة للسياسة المالية التحفيزية.
5- عجز الموازنة العامة «Budget Deficit»
يحدث عجز الموازنة حينما تتجاوز النفقات الإيرادات، وتعتبر فجوة العجز الحكومي المتراكم ديونًا حكومية. لتقليص العجز في الميزانية، قد تحتاج الدولة إلى تقليص بعض النفقات، أو زيادة الأنشطة المدرة للدخل، أو استخدام مزيج من الاثنين.
أما عكس عجز الموازنة فهو فائض الموازنة، ويحدث فائض الموازنة حينما تتجاوز الإيرادات النفقات، وتتراكم الأموال الزائدة في صورة مدخرات حكومية يمكن استخدامها في دفع النمو الاقتصادي، وإحداث تنمية اقتصادية، وحينما تساوي النفقات الإيرادات تكون الميزانية متوازنة.
وقد يحدث عجز الموازنة العامة استجابة لبعض الأحداث والسياسات غير المتوقعة، على سبيل المثال: لقد ساهمت زيادة الإنفاق الدفاعي بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة في عجز الميزانية الأمريكية، وكذا تكاليف الحروب اللاحقة في أفغانستان والعراق.
وقد ينخفض العجز في الموازنة، وهو ما ينعكس على الناتج المحلي الإجمالي كنسبة مئوية، ويحدث انخفاض في عجز الموازنة في أوقات الرخاء الاقتصادي حينما تحدث زيادة في الإيرادات الضريبية وانخفاض معدلات البطالة وزيادة النمو الاقتصادي، وهو ما يقلل من الحاجة إلى البرامج التي تمولها الحكومة، مثل التأمين ضد البطالة في البلدان التي تدفع للعاطلين لديها.
6- السندات الحكومية «Government Bond»
تضم حزمة التكيف الهيكلي التي يطلبها صندوق النقد الدولي من الدولة للحصول على القرض أن تقوم بتخفيض عجز الموازنة، وهنا يأتي دور السندات الحكومية، فهي وثيقة حكومية لضمان الدين، تلجأ إليها الحكومة لدعم الإنفاق الحكومي، ومن ثم تقليص عجز الموازنة.
وتطرح الحكومة السندات في الأسواق من أجل شرائها من قبل المستثمرين، ويعد شراء السندات الحكومية استثمارًا يدر ربحًا للمستثمرين يتمثل في الفائدة على القرض، ولكن قبل شراء المستثمرين السندات يحتاجون إلى تقييم العديد من المخاطر المتعلقة بالبلد، مثل مخاطر الدولة السياسية، ومخاطر التضخم، ومخاطر أسعار الفائدة، وكلما كانت ملاءة الدولة واقتصادها قويًا، كانت سنداتها خالية من المخاطر وآمنة تمامًا، ويضحى التخلف عن السداد أمرًا غير محتمل.
ولا يشترط أن تكون الدولة في حالة عوز مالي، أو في حاجة إلى من يمول نفقاتها العامة؛ فقد يتطلب اقتصاد الدولة تقليص حجم المعروض النقدي لارتفاع معدلات التضخم مثلًا، وهنا تلجأ الدولة إلى السندات من أجل سحب المعروض النقدي من أيدي الناس.
وتتميز السندات الحكومية بآجال استحقاق طويلة نسبيًا، لذا تسمى أداة مالية طويلة الأجل، بعكس أذونات الخزانة. وحينما تكون الدولة في حاجة إلى النقد الأجنبي، فإنها تقوم بإصدار سندات دولية لا يمكن شراؤها بالعملة المحلية، أما في حال كانت حاجة الحكومة إلى النقد بالعملة المحلية فإنها تقوم بإصدار سندات حكومية محلية يمكن شراؤها بالعملة المحلية.
7- ما الفرق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية؟
صندوق النقد الدولي (IMF)
يروج صندوق النقد الدولي لنفسه بأنه «منظمة من 188 دولة، تعمل على تعزيز التعاون النقدي الدولي، وتأمين الاستقرار المالي، وتسهيل التجارة الدولية، وتشجيع العمالة العالية والنمو الاقتصادي المستدام، والحد من الفقر في جميع أنحاء العالم».
ويؤدي صندوق النقد الدولي مهمته بطرق مختلفة، منها: رصد التطورات الاقتصادية في البلدان، وإبلاغهم بها، وتقديم توصيات مستقبلية للبلدان، وإقراض المال للبلدان الفقيرة، فوفقًا لقوله يوفر الصندوق التمويل لمساعدة الدول المضطربة على – تجنب أو – التعافي من التحديات الاقتصادية، وتمول قروض الصندوق ذاتيًا من أعضائها، ويقع مقره في واشنطن بالولايات المتحدة.
البنك الدولي (WB)
يتمثل هدف البنك الدولي، على حد قوله، في توفير المساعدات المالية والفنية للبلدان النامية في جميع أنحاء العال؛ في محاولة للحد من الفقر ودعم التنمية.
ويضم خمس مؤسسات أساسية هي:
1- البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD): هو ذراع الإقراض لدى صندوق النقد الدولي، ويقدم مساعدات مالية للدول ذات الدخل المتوسط والمتدني.
2- المؤسسة الدولية للتنمية (IDA): تقدم القروض والمنح للدول الفقيرة.
3- مؤسسة التمويل الدولية (IFC): تقدم الأموال والمشورة إلى هيئات القطاع الخاص.
4- وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف (MIGA): تسعى إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية.
5- المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID): يوفر تسهيلات مادية وخبرات إجرائية للمساعدة في حل النزاعات، حينما يكون المال هو موضوع الخلاف بين الأطراف.
ويسعى البنك الدولي لتحقيق أهدافه عن طريق تقديم المساعدات المالية إلى الدول النامية، ويمنح القروض والمنح المنخفضة الفائدة أو بدون فوائد لتمويل «مجموعة واسعة من الاستثمارات في مجالات، مثل التعليم، والصحة، والإدارة العامة، والبنية التحتية، وتنمية القطاعين: المالي والخاص، والزراعة، والإدارة البيئية، والموارد الطبيعية»، بحسبه.
ويعمل البنك بشكل وثيق مع صندوق النقد الدولي. تمويله ذاتيًا، ويقع مكتبه الرئيس في واشنطن بالولايات المتحدة.
منظمة التجارة العالمية (WTO)
تقول منظمة التجارة العالمية إنها: «المنظمة الدولية العالمية الوحيدة التي تتعامل مع قواعد التجارة بين الدول». وتركز جهود المنظمة على تطوير الاتفاقيات التجارية بين الدول لتشجيع التجارة عبرة الحدود. ويشمل ذلك وضع الاتفاقيات وتفسيرها وتسهيل تسوية منازعات التجارة، على سبيل المثال: مسألة عدم الاتفاق بين المكسيك والولايات المتحدة على صيد سمك التونة. تأسست عام 1995، ويقع مقرها في جنيف سويسرا، ويتم تمويلها ذاتيًا أيضًا من أعضائها.
ورغم ترويج المنظمات الثلاث لأنشطتها باعتبارها تدعم التطورات الإيجابية في البلدان، إلا أن هناك العديد من الانتقادات والمآخذ على طريقة عملها وأهدافها الحقيقة ودوافعها وسياساتها تجاه الدول النامية والفقيرة. حتى فيما يتعلق بتنبؤاتهم المستقبلية للأوضاع الاقتصادية والتجارية في الدول المختلفة، كثيرًا ما يجانبهم الصواب في تقديرهم لمجريات الأمور.