مناورات عسكرية سابقة للبوليساريو
نفذت البوليساريو اعلانها باقامة أنشطة واحتفالات في منطقة تيفاريتي، وهي أنشطة ذات طابع عسكري بتنظيمها لعرض عسكري واجراء مناورات عسكرية بذريعة ضمان جاهزية عناصرها المسلحة تحسبا واستعدادا لكل الاحتمالات، إضافة الى عقد دورة مجلسها الوطني (البرلمان)في المنطقة.
ولا يطرح الفعل إشكالا على مستوى حقيقة ثبوته ووقوعه تبعا لإعلان جبهة البوليساريو المسبق نيتها عقده، واستتبعته بتنفيذه الفعلي. والتصرف المادي ومكان تنفيذه ووقوعه هو الذي جعل المغرب يحتج لدى الأمين العام للأمم المتحدة دون أن يتأخر الأخير بالرد بجوابه بالقلق إزاء الوضع وحثه الأطراف على ضبط النفس.
غير أن الذي يثير الانتباه في هذه المرة يكمن في الخلفيات التي تحكم خطوة البوليساريو والجزائر، والنتائج التي قد تترتب عنها في علاقة بمركز المغرب، ودور الأمم المتحدة على أثر ذلك، وهو ما سنتولى محاولة البحث فيه.
أولاً: مقتضيات وأوامر قرار مجلس الأمن 2414 الموجهة للبوليساريو
لا شك أن البوليساريو تعي جيدا مقتضيات قرار مجلس الأمن عدد 2414 في تأكيده بكون المنطقة هي عازلة وأمرها بالانسحاب الفوري منها، والمنطقة بطبيعتها تلك فهي مقيدة من حيث التنقل أو إطلاق النار أو إقامة منشآت الملحق العسكري بتاريخ 24/12/1997و 22/1/1998، ولهذا منعها مجلس الأمن من القيام بشيء من ذلك في بئر لحلو وتيفاريتي، وبالإضافة إلى ذلك فإن الجبهة تدرك جيدا الربط الذي أقامه مجلس الأمن بين خرقها للقيود المفروضة في المنطقة العازلة وخطر ذلك على الأمن والاسقرار في المنطقة، وتعرف الجبهة جيدا قرار مجلس الأمن بحرصه على بقاء الأمر على ماهو عليه، وجعله رهن مراقبته المستمرة.
ومع كل ذلك، فإن البوليساريو أقدمت على إتيان أفعال تتناقض مع مضمون القيد والتحريم المفروض والمشروط إلا بإذن سابق من الأمم المتحدة، فهي لم تحترم جوهر ومحل أوامر قرار مجلس الأمن ، وبالمقابل رجحت وآثرت فعل الخرق والانتهاك من أجل تحقيق غايات أخرى قدرتها ذات نتائج أكبر وأحسن وأفيد وأنجع من سلبيات جزاء خرقها للقرار.
فالبوليساريو ترغب في إنتاج صورة تظهرها بمظهر من يحوز ويسيطر على المنطقة، وادعاء أنها تمارس عليها السيادة من ذي قبل وليس بتاريخ الشكاية المغربية الأخيرة المرتبطة بعودتها للكركارات، ولا بتاريخ وتعبيرها عن نيتها بناء ونقل منشآت إدارية إلى المنطقتين، طبقا لاعتبارها من قبلها “أراض محررة”.
فبينما كان الهدف الأساسي للبوليساريو متجها إلى نقل النقاش لينحصر على منطقة الكركارات وإجراء تأويل على كون التقييد فيها للتنقل وإطلاق النار وبناء منشآت ينحصر على العناصر العسكرية ولا يمتد الى المدنية، ومحاولة إثارة أن مايسري على المغرب وعلاقته بالمنطقة يؤول لها الاستفادة منه أيضا، فإن المغرب تمكن من الحسم في أمر الكركارات بتوجيه مجلس الأمن لأمر فوري بانسحابها من المنطقة، بل نجح المغرب في جعل النقاش يقع وينصب على كل المنطقة التي تقع خلف الجدار الدفاعي المغربي بما فيها تيفاريتي وبئر لحلو وغيرها.
والدليل على ذلك يكمن في لغة خطابات البوليساريو إذ أنها تحاول التأكيد على أن سيطرتها على المنطقة يرجع لسنة 1975 وأن دخولها المنطقة ليس وليد اليوم، فهي بمثابة من يحاول استدراك أمر أو في مركز من يلتمس بطريقة محتشمة ادعاء أن مجلس الأمن وقع في خطأ وتريد تصحيحه بفعل مادي مناقض للقرار. وفي مقابلها فإن المغرب يؤكد على أن المنطقة كانت تحت حيازته بتاريخ قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار 1991، وأنه وضعها تحت عهدة الأمم المتحدة وتحت تصرفها لتسهيل وتيسير مهام بعثتها المينورسو لمراقبة وقف اطلاق النار. وهذا الهم هو سعي البوليساريو الأساسي لتأكيد عدم ادراج تيفارتي وبئر لحلو ضمن المنطقة العازلة.
فالبوليساريو تحاول إعطاء صورة تظهر فيها بمظهر من حاز وسيطر على منطقتي تيفاريتي وبئر لحلو وكل المنطقة العازلة، وتجعل من زعم ممارستها السيادة أولوية استراتيجية تحكم مل مظاهر وصور تصرفاتها، وقصدها في ذلك تجاوز عيب وقدح ادعاؤها من جانب واحد أنها “دولة”، والحال أنها لا تستجمع أركان قيام الأخيرة بما فيه الإقليم.
ثانيا:خلفيات الجزائر في الدفع بالبوليساريو الى المنطقة العازلة وانتهاك قرار مجلس الأمن
غير أن خلفيات البوليساريو في خرق قرار مجلس الأمن واتجاهها عمدا إلى تغيير الوضع في المنطقة فهو يتقاطع مع قصد الجزائر في بحثها عن وسيلة وطريقة تدفع بالبوليساريو إلى الأمام وتضعه في الواجهة على أساس أنه الطرف الأساسي والوحيد مع المغرب في نزاع الصحراء، ولا علاقة لها بالنزاع سوى من زاوية وقوفها معه كحركة تحررية من أجل تقرير المصير.
فالجزائر في مرتبة من ينفي عن نفسها، ويتهرب من ادعاءات وتأكيدات المغرب بمسؤولياتها كطرف أساسي في النزاع من ألفه إلى يائه. وفي نفس الوقت تجتهد بأفعال مادية لنقل الصراع من مخيمات تندوف إلى المنطقة العازلة إلى أراضي النزاع مباشرة، وتحقق في ذلك نتائج منها تعزيز مقولة الدولة “الجمهورية فوق جزء من أراضيها المحررة” وأن العلاقة التي كانت تربطها باللاجئين انتهت، للقول بأن طلبات المغرب كطرف أساسي لم تعد قائمة.
ثالثا: المغرب يعرف أن آخر الدواء الكي وعينه على إشهاد العالم بمسؤولية الحزائر:
استشعر المغرب خطورة السرعة التي مرت إليها الجزائر والبوليساريو، في محاولتهما خلق واقع جديد، تظهر فيه البوليساريو تمارس السيادة على جزء من المنطقة العازلة، والتي تعتبرها أراض محررة، وما سيترتب عن ذلك سيما وأنها تستفيد من اعتراف مجموعة من الدول، ويعترف بها الاتحاد الأفريقي، ورجوع المغرب إلى ذلك التنظيم ومحاولة تفسير وتحميل ذلك على أنه يكتسي مرتبة الاعتراف الضمني بها، ولهذا عبر عن صرامته لتجريد الجبهة من تلك الآمال ولو اقتضى الأمر استخدام القوة العسكرية.
ومن أجل ذلك فإن المغرب قام بإحاطة الأمين العام و مجلس الأمن علما بوقائع مادية تفيد استمرار البوليساريو في اقتحام المنطقة العازلة، ونيتها بناء منشآت بها. كما حث المغرب الأمم المتحدة والدول الكبرى على الاضطلاع بمسؤولياتها ونبهها بخطورة تصرفات البوليساريو وعدم قبوله بها، واستعداده لاستعمال القوة لردعها.
ولأن المغرب ملم بعدم تملك البوليساريو لسلطة القرار تبعا للوصاية والحجر الذي تمارسه الجزائر عليها، فإنه يدفع بمسؤولية الجزائر في خلق المشكلة، وفي استمرار النزاع، ومسؤوليتها المباشرة في الحل والمساهمة فيه، والمغرب في ذلك ليس بحاجة إلى إثبات ذلك، بل إنه يستدرج مثلما يحرج الجزائر للاعتراف بذلك وإشهاد العالم عليها، ومن تم مسؤوليتها وحيدة في تطور الأمور وتحملها وزر وتبعات ذلك، لأنه ينظر إلى فرضية احتمال تطور الأمور الى مواجهة مباشرة معها.
ويستفيد المغرب من إسناد مرجعي يعضد دفوعاته وخاصة قرار مجلس الأمن الأخير الذي أجاب على كل حيثيات شكايات المغرب بالإيجاب وأمر البوليساريو بالانسحاب الفوري من المنطقة العازلة بالكركارات. كما أن موقف المغرب معزز أيضا بأمرها في نفس القرار وبإشارته بالاسم وبالتعيين والوصف المانع من الجهالة بعدم إجراء أي تغيير في منطقة تيفاريتي وبئر لحلو الذي يهدد الأمن والاستقرار في كل المنطقة.
وهذا الخطر هو الرابط الذي يعطي الحجية لقطع المغرب لعلاقاته مع إيران بذريعة رعايتها لمخطط واتفاق يجمع بين حزب الله والبوليساريو وبمباركة جزائرية لضرب استقرار المنطقة.
رابعاً:وضوح مجلس الأمن بضبط المنطقة العازلة وصرامته ضد البوليساريو
كان مجلس الأمن واضحا في قراره بخصوص انسحاب البوليساريو الفوري من المنطقة العازلة بالكركارات التي بعتبرها منطقة عازلة. وكان مجلس الأمن واضحا في والوضع القانوني بخصوص منطقت تيفاريتي وبئر لحلو التي أشار اليهما بالاسم ووصف المكان، وعبر صراحة عن رفضه القيام او إجراء أو تنفيذ أي عمل يغير من الوضع القائم في المنطقة.
إضافة إلى ذلك فإن مجلس الأمن أقام ربطا وثيقا بين نوايا ومقاصد البوليساريو بنقل أنشطة أو بناء منشآت وتغييرها للوضع القانوني الذي يحكمه كمنطقة عازلة، والتاريخي الذي يجعل من المغرب هو من كان يمارس حيازته وسيادته على المنطقة بتاريخ اتفاق وقف إطلاق النار، وإن نية وقصد التغيير والتغيير نفسه يشكل تهديدا حقيقيا وخطرا داهما على اختصاص مجلس الأساسي في توفير الحماية لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة في صيانة الأمن والسلم العالميين، مادام ذلك مجلس الأمن نفسه 2414 يكيف ويصف فعل البوليساريو بأنه يشكل تهديدا وخطرا مباشرا على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وما يؤكد حساسية أفعال البوليساريو وتهديدها للعملية السياسية برمتها وخطورته على أمن واستقرار المنطقة، وإحساس الأمانة العامة للأمم المتحدة بتأثير الفعل جديا ومباشرة على ذلك، خاصة وأنها تستحضر صرامة وحزم المغرب لردع الفاعل، هو ردة الفعل السريعة لأنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمن للأمم المتحدة بجوابه على مراسلة المغرب له، عبر ناطقة الرسمي ستيفان دوجاريك هو عبارات القلق الواردة فيها وإشارته لأخذ موضوع شكاية المغرب بجدية.
على سبيل الختم
يدرك الجميع أن ملف النزاع في مراحله النهائية، والكل يمر إلى السرعة النهائية، فالجزائر ترغب التخلص من وزر خلقها ورعايتها للبوليساريو، والأخيرة تسابق الوقت والزمن للقول وتتوهم أنها “دولة” قائمة على جزء من الأرض، والأمم المتحدة قلقة من مآلات الأمور على العملية السلمية ككل وتطالب الأطراف بسلوك الواقعية وبأن الحل ذا طبيعة سياسية عملية وواقعية، وتتحين فرصة انخصار العملية لاستبدال إطار نظرها للنزاع، والمغرب على يقين أنه قادر على صنع الحل بيديه ولا يعيقه غير تدويل النزاع.
وبين هذا وذاك لا يظهر في الأفق ولو بصيص من الأمل يغير من لغة التجاهل والعناد وجهل الجاهلين والتهديد بحرب لن تكون كسابق مثيلاتها، بل شاملة تأتي على الأخضر واليابس (تقرير الأمين العام لسنة 2015).
*محامي بمكناس،خبير في القانون الدولي_الهجرة ونزاع الصحراء