يتجاذب حزب التقدم والاشتراكية الذي يقدم نفسه وفق برنامجه بالحزب الشيوعي المغربي تياران، تيار يمثله الجانب الراديكالي بزعامة سعيد السعدي وتيار رسمي يقوده الأمين العام للحزب نبيل بن عبد الله الذي حاز مجددا على الأمانة العامة في بداية يونيو تحول الى “شيوعي على مذهب والت ستريت”.
وطغى التوجهان في الحزب وفي المؤتمر الأخير وإن كان الحسم قد تم لصالح نبيل بن عبد الله، فأغلبية المؤتمرات تحسم لصالح المقرب من السلطة. وتاريخيا، شكل حزب التقدم والاشتراكية منذ ظهوره في الأربعينات مرجعا سياسيا وفكريا رغم الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحول دون انتشاره، لكن نجح في المحافظة على استمراريته مثل الحزب الاشتراكي وحزب الاستقلال.
وأمام الاستمرارية التنظيمية، فقد الحزب الاستمرارية الفكرية والهوياتية، وإذا كانت الأحزاب الشيوعية في مخلفت الدول قريبة من “الجماهير”، فهذا الحزب قد اقترب كثيرا من سلطة صنع القرار تحت ذريعة “البرغماتية السياسية والمساهمة في الاستقرار السياسي”. وأصبح حزب التقدم والاشتراكية ومنذ حكومة التناوب يلعب دور المكمل للنصاب القانوني للحكومات، إذ لم تعد تحكمه تحالفات سياسية، فقد شارك في مختلف الحكومات ذات الألوان المتعددة بين تقدمية وتقنوقراطية ومحافظة وإسلامية.
ونتج عن هذا الوضع، انقسام واضح وسط الحزب بين تيارين. تيار سياسي وفكري يرغب في البقاء في حظيرة اليسار وتمثله أسماء وازرنة ومنها سعيد السعدي الذي يرغب في تطابق اسم الحزب مع تاريخه النضالي ومع ما هو مسطر في أدبياته وبرنامجه السياسي والنضالي.
وتيار آخر يمثله نبيل بن عبد الله الذي يقترب خطابه من خطابات ما يعرف في الأدبيات السياسية الأنجلوسكسونية The Establishment ، وهذا لا يعني بالضرورة المؤسسة المخزنية. وهذا التيار، ووفق مواقف وتصريحات زعيمه نبيل بن عبد الله يبتعد عن البرنامج السياسي للحزب.
ويشارك حزب التقدم والاشتراكية بزعامة نبيل بن عبد الله في حكومة عبد الإله ابن كيران، وهي الحكومة الأكثر ليبرالية في تاريخ المغرب بل نيوليبرالية بسبب سياستها الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في الاعتماد على القروض الخارجية، والرفع من الأسعار والحد من الوظيفة العمومية ووقف الاستثمارات العمومية. وهي الوصفت نفسها التي طبقتها حكومات محافظة مثل حكومة الحزب الشعبي في اسبانيا بزعامة ماريانو راخوي، وإن كانت حكومة اسبانيا أكثر تقدمية من الحكومة المغربية الحالية في مجال الخدمات الاجتماعية. ويبارك نبيل بن عبد الله كل الإجراءات الاقتصادية النيوليبرالية ويعمل على تبريرها أمام الرأي العام.
ومن باب المقارنة على المستوى الدولي بين الأحزاب التي تؤمن بالطرح الشيوعي، مقارنة الحزب الشيوعي المغربي ليس بالإسباني أو الفرنسي أو المصري أو الروسي بل بالحزب الشيوعي الأمريكي، يكون الأمريكي أكثر شيوعية وتقدمية من حزب التقدم والاشتراكية بزعامة نيبل بن عبد الله. ويؤكد الحزب الشيوعي الأمريكي أن عدوه الحقيقي هو بورصة والت ستريت.
ونظرا لوجود التقدم والاشتراكية بزعامة نبيل بن عبد الله في الضفة المتناقضة مع الحزب الشيوعي الأمريكي، ويتحالف في الحكومات مهما كان لونها، فالحزب ليس له لون مثل المال ويتحالف مع الجميع، كل هذا يجعل من نبيل بن عبد الله شيوعيا على مذهب “أهل والت ستريت”.