يشهد ملف الدعوى المرفوعة ضد مدير المخابرات المدنية في فرنسا، عبد اللطيف الحموشي بتهمة تورط الجهاز الذي يشرف عليه في التعذيب تطورات جديدة بعدما تبين أن الشرطة ذهبت وراءه لإحضاره بالقوة أمام القضاء لكي يستمع له قاضي التحقيق. وقد تعهدت الخارجية الفرنسية بإلقاء الضوء على الملف واعتبرته بالحادث المؤسف لكن دون التدخل في استقلالية القضاء.
وتدريجيا بدأت معلومات تظهر في هذا الملف الشائك وتفسر رد فعل المغرب القوي باستدعاء السفير الفرنسي شارل فري مساء الجمعة وتقديم احتجاج شديد اللهجة. في هذا الصدد، تؤكد وسائل الاعلام الفرنسية أن سبعة من أفراد الشرطة الفرنسية قصدوا منزل السفير المغربي شكيب بنموسى يوم الخميس الماضي وحاولوا تسليم استدعاء الى عبد اللطيف الحموشي الذي كان يتواجد في المنزل بمناسبه حضوره قمة أمنية بين اسبانيا وفرنسا والمغرب والبرتغال.
وجرى استدعاء الحموشي للتحقيق معه في عمليات تعذيب مفترضة قام بها جهاز المخابرات وتعرض لها كل من عادل المطالسي الذي اعتقل في المغرب سنة 2008 في ملف له علاقة بالمخدرات وأكد تعرض لتعذيب قوي ويوجد الآن في سجن فرنسي بفضل ترحيل السجناء لاكتسابه الجنسية الفرنسية.، وفي ملف آخر يتعلق بنزاع الصحراء، تقدمت جمعية مسيحية معارضة للتعذيب بدعوى تتضمن تعذيب مفترض لنعمة الأسفاري المعتقل وفي أحداث مخيم أكد أيزيك والمحكوم ب 30 سنة في ملف اغتيال أمنيين مغاربة.
وأوضحت مسؤولة من منظمة العمل المسيحية لمناهضة التعذيب هلين لجي أنه لا يتم اتهام الحموشي شخصيا بممارسة التعذيب بل بمشاركة أعضاء من الجهاز الذي يديره في التعذيب والاستنطاقات وبعضها حصل في مركز تمارة الذي هو مقر المخابرات.
ولا يمكن حضور سبعة من ضباط الشرطة الى منزل السفير المغربي بدون علم السلطات الفرنسية وخاصة مخابراتها ووزارة الخارجية والداخلية. ويبقى حضور هذا العدد من أفراد الشرطة مؤشرا قويا أن النية كانت هي إحضار الحموشي وإن اقتضى الأمر بالقوة خاصة وأن الأمر الاعتقال صدر عن قاضي قضاة باريس الذي لا يمكن للحكومة الفرنسية نهائيا أن تجادل قراراته الأولوية. واعتاد موظف من القضاء إيصال استدعاءات المثول أمام القضاء أو عبر البريد فقط وعندما تحضر الشرطة، فهذا يعني أن الأمر يتعلق بالإحضار بالقوة.
ومن المحتمل أن تكون المخابرات الفرنسية قد أخبرت الحموشي بضرورة مغادرة فرنسا قبل إلقاء القبض عليه وصدور مذكرة تغلق الحدود في وجهه، حيث كان سيشكل اعتقاله أزمة حقيقية بين البلدين، لاسيما وأن الدولة الفرنسية لا يمكنها نهائيا فعل أي شيء أمام القضاء.
وهذا التطور هو الذي دفع بالدولة المغربية الى رد فعل قوي من خلال استدعاء السفير الفرنسي شارل فري، وتولت الوزيرة المنتدبة في الخارجية تقديم احتجاج شديد اللهجة غير مألوف به في العلاقات المغربية-الفرنسية منذ بداية التسعينات عندما صدر كتاب “صديقنا الملك” حول الملك الراحل الحسن الثاني وأحدث ضجة وتوترا في العلاقات الثنائية. وطالبت دبلوماسية الرباط من فرنسا توضيحات.
ولم يتأخر الرد الفرنسي الذي جاء على لسان الناطق باسم الخارجية رومان نادال أمس السبت وفي فقرة جد مقتضبة تقول “استجابة لطلب السلطات المغربية، طلبنا على الفور تسليط الضوء بأسرع وقت ممكن على هذا الحادث المؤسف، في إطار روح الصداقة المطبوعة بالثقة التي تربط بين فرنسا والمغرب”. ولم تندد وزارة الخارجية بالقراء القضائي بل التزمت بالقول بأن الحادث مؤسف فقط.
وتجنبت الدبلوماسية الخوض في القرار القضائي تفاديا لأزمة مع القضاة. انطلاقا من مبدأ استقلالية القضاء في هذا البلد الأوروبي الذي يحاكم حتى الرؤساء ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية، حيث يخضع المدير السابق للمخابرات بيرنارد سكارسيني للتحقيق بسبب ملفات مشبوهة.