يعيش المغرب على إيقاع جدل سياسي حول المهرجانات الفنية وعلى رأسها مهرجان موازين. ويشتد هذا الجدل الى مستوى اللغو والعنف اللفظي بين الذين يبررون المهرجانات بدعوى الانفتاح وبين الرافضين لها بحجة مسها بالتقاليد والأخلاق المغربية. والأنسب أن تكون زاوية المعالجة مختلفة وتعتمد على مهفوم الأولويات الملحة للبلاد وتتجلى في التساؤل التالي: كيف يسمح المغرب لنفسه بأن تكون الميزانية المالية للمهرجانات أكثر بكثير من ميزانية البحث العلمي في الجامعة المغربية في وقت تراهن فيه الدول على مجتمع المعرفة للتقدم والرقي.
ومنذ بداية العقد الماضي وحتى يومنا هذا، ارتفع عدد المهرجانات بشكل مثير للغاية تحت ذريعة أنها تمنح للمغرب مظهر البلد المنفتح على الفنون والتسامح. واعتمادا على هذا المفهوم، أصبح لكل مدينة مهرجاناتها ولكل قرية مهرجانها، ويمتد التنافس الى من سيجلب مغنيين من الغرب والشرق الأكثر كلفة ماليا. وشجعت سلطات الداخلية البلديات والمجالس القروية بل وأجبرتها في بعض الأحيان، على تخصيص جزء هام من ميزانياتها، لتمويل هذه المهرجانات دون أن تلزمها مثلا بتخصيص ميزانية تساعد على الرفع من تحسين مستوى خدمات المستشفيات التي تدنت وأصبحت مصدر توتر اجتماعي بسبب التجاوزات التي تحدث فيها.
وبعملية حسابية بسيطة، أصبحت ميزانية المهرجانات التي تنظم سنويا في المغرب تفوق وبكثير ميزانية البحث العلمي في الجامعات المغربية التي يفترض أنها قاطرة التقدم. وفي الوقت الذي يزداد فيه الاهتمام بالمهرجانات يتدنى مستوى الجامعة المغربية بسبب غياب مجموعات البحث العلمي التي لا تجد تمويلا ماليا كافيا، إن وجد. ولا تشهد أي كلية مغربية صدور منتظم لمجلة علمية بسبب غياب البحث والدعم. وليس من باب المبالغة القول أن ما حصلت عليه المغنية ريحانا مقابل ساعة من الغناء في مهرجان موازين منذ أيام يفوق ميزانية البحث العلمي المخصصة ليس فقط لجامعة مغربية بل لأكثر من جامعتين أو ثلاث.
وهذه المفارقة الغريبة والصارخة تدفع الى التساؤل بحسرة، هل غاب عن الدولة المغربية بكل مستوياتها الأهمية الاستراتيجية للمعرفة والبحث العلمي في رقي الشعوب لاسيما بعدما أكدت التجارب أن كل دولة تفتقر للمعرفة والبحث العلمي مآلها التخلف والتهميش.
في الوقت ذاته، كيف لدولة مثل المغرب تصرف على المهرجانات أكثر من البحث العلمي، علما أنها تحتل الرتبة 130 في التنمية البشرية، فهل ساهم 150 ألف الذين قيل قد حضروا حفل ريحانا في الدفع بالمغرب ولو نصف نقطة في الترتيب؟ ويمتد التساؤل بحسرة، ألا يوجد في المحيط الملكي شخص بنفوذ منير ماجدي بدل أن يكون ولعه وعشقه لتنظيم المهرجانات الموسيقية يكون مولعا بالبحث العلمي ويسعى الى التعاقد مع باحثين وعلماء لتطوير الجامعة المغربية لتحقيق الرقي بالبلاد؟
المهرجانات مظهر من مظاهر الحضارة التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن في دولة مثل المغرب، تشهد تخلفا على جميع المستويات بشهادة جميع التقارير الدولية، يتم تخصيص ميزانية أكثر للمهرجانات من البحث العلمي، وقتها لا يمكن سوى ترديد المثال الغربي الشهير “من يغادر الأخير فليطفئ الأنوار”، أي لا أمل في مسؤولي بلد يفضلون المهرجانات وإن كانت “موسيقى هذه المهرجانات روحية” على أجندة علمية تدفع بالبلاد نحو الرقي والتقدم.