خلال الحرب الدائرة بين اليمن والدول الملكية السنية بزعامة العربية السعودية، يرفع الجميع أنظاره للخالق طلبا للنصر المبين ومتهما الفئة الأخرى بالكفر والخروج عن الملة وإحداث الفتنة. وأصبحت الظاهرة ملفتة للانتباه في شبكات التواصل الاجتماعي ومنابر المساجد وقنوات التلفزيون. وأمام هذا المشهد الديني السوريالي، نستحضر السؤال العريض الذي قد يعتبره البعض مستفزا هو : مع من يقف الله في حرب اليمن والسعودية؟
وتختلف زوايا المعالجة للحرب الحالية، بين أطروحات جيوسياسية تتجلى في شعور العربية السعودية وباقي الدولة الملكية بالخريطة جيوسياسية السائرة في التغيير بسبب مخطط إيراني محكم يعمل وفق التقنية والتصور الأنجلوسكسوني الذي يضع مخططات ذات المدى البعيد.
وزاوية دينية محضة، وعمليا، الشرق الأوسط الذي كان علمانيا في بعض أجزاءه مثل سوريا وسنيا، على الأقل السلطة، في العراق، أصبح يميل الى اللون الشيعي، وهذا يترجم إقليميا بفقدان العربية السعودية السنية-الوهابية الريادة لصالح إيران الشيعية.
وفي حرب اليمن الحالية، ووسط أصوات المدافع وقصف الطيران التي يوظفها العرب فقط ضد بعضهم البعض وليس ضد دول أخرى، رغم الإهانات التاريخية التي يتلقوها من إسرائيل ودول غربية، ترتفع أصوات لزعماء دينيين يعتبرون الفئة الأخرى باغية. ويسترجعون من التاريخ الإسلامي مفردات وتعابير وتأويلات شرعية تساعدهم في تبادل الاتهام بالخوارج والخروج عن صف المسلمين.
وتصدر فتاوي من الحرمين الشريفين تعتبر الحرب ضد الحوثيين وقوات عبد الله صالح، التي هي في الحقيقة معظم الجيش اليمني، حرب جهاد ضد الفئة الباغية. وانخرط الكثير من زعماء السلفيين من المحيط الى الخليج بل هذه المرة حتى بعض السلفيين المقيمين في الغرب في دعم ما يعتبرونه “جهادا” ضد الحوثيين وقوات عبد الله صالح.
وتصدع مساجد اليمن بالتنديد دينيا بقادة الدول الملكية السنية ويعتبرونه من فئة الكفار رغم حمل الكثير منهم ألقابا دينية مثل خادم الحرمين وأمير المؤمنين.
واشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي حربا بين فئة وأخرى في التحجج بشكل فاق ما أنتجه الفقهاء من فتاوي شرعية إبان الحروب الصليبية ولكن هذه المرة فالفريقان من الاسلام. وأصبح السلاح في شبكات التواصل الاجتماعي هو الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في رجم وقصف الآخر “العدو”.
وعاد الكثيرون لمسح الغبار عن كتب الإمام البخاري وكتب التاريخ لابن الأثير والطبري بحثا عن أمثلة من زمن “عرب الناقة والثمر والسيف ” لتوظيفها ضد الطرف الآخر في زمن “رولس رويس وفيريرو روشير وف 15”.
وينبري “علماء دين” من العربية السعودية وجيشهم الجرار من السلفيين في العالم في التضرع لله لأنه منح عاصفة الحزم السيطرة على السماوات، نعم بفضل عائلة طائرات 1 16 و15 والميراج التي يصنعها الغرب وليس المسلمين، ولا يتردد علماء دين اليمن ومسانديهم من إيران الخمينية في شكر الخالق لأنهم مكنهم من السيطرة على الأرض.
ووصف الذين يسقطون بالشهداء في سبيل الله، وكأن الأمر يتعلق ب”يجوز الوجهان” في الحرب، فضحايا كل طرف شهيد.
ولا تنفع الرتب العسكرية في هذه الحرب، لامعنى للجنرال أو الفريق الركن، بل الرتب العسكرية هي خادم الحرمين وأمير المؤمنين والمرشد الأعلى للثورة ومفتي الديار.
وأصبح بعض الزعماء الدينيين من الطرفين يتحدثون لغة اليقين في حشر أعداءهم في “جهنم خالدين فيها” بسبب هذه الحرب، لغة اليقين تتجاوز اليقين المعمول به في الفيزياء والرياضيات.
وقليلة هي الأصوات الإسلامية العاقلة التي اعتبرت الحرب سياسية محضة من أجل النفوذ بعيدة عن الحرب الدينية. ولم تنج هذه الحركات والشخصيات من تهم الخروج عن الملة لعدم وقوفها مع هذا الطرف أو ذاك.
واعتاد الذين يوظفون الله والدين في مواجهتهم “للتقدميين واللائكيين والعلمانيين” الادعاء زهوا بأن الله يقف معهم طالما أن فئة عائلة اللائكيين تتسلح بالعلم على حساب الإيمان. ولكن، يبقى التساؤل، ومع من يقف الله في حرب بين طرفين يوظفان الخالق والدين الاسلامي في مواجهة لا يسقط فيها المقاتلون ولا شيوخ الدين الجالسين في المكاتب المكيفة بل يسقط فيها أبرياء من أطفال وشيوخ ونساء؟