التحديات الكبرى: لماذا لا تستطيع المملكة العربية السعودية إنهاء تواجدها في اليمن؟

ملك العربية السعودية، سلمان بن عبد العزيز

على الرغم من مرور أكثر من 10 أشهر على بدء العملية عاصفة الحزم التي دشنها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية؛ بهدف إعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، بعد استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014 ، وعلى الرغم من نجاح التحالف في استعادة السيطرة على مساحات من الأراضي اليمنية من أيدي الحوثيين، إلا أن العملية العسكرية لا تزال تواجه صعوبات جمة. أول هذه المشكلات هو طول أمد العمليات التي تكاد تقارب عامها الأول، مع ما ترتبط به من أعباء اقتصادية كبيرة في ظل تناقض الموارد السعودية؛ بفعل انخفاض أسعار النفط. تشير التقديرات إلى أن السعودية تنفق العملية العسكرية تتكلف قرابة 200 مليون دولار  يوميا. إضافة إلى ما يرتبط به طول أمد العمليات من أخطار تزايد الهجمات التي يشنها الحوثيين على الحدود السعودية.

هذا سوى مخاطر زيادة عدد القتلى السعوديين في اليمن، والذين قدرتهم الإحصاءات بنحو 122 قتيلا ونحو ألف جريح حتى يوليو/ تموز الماضي، وقد ارتفع عدد الضحايا بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية مع وقوع بعد الهجمات التي خلفت أعدادا كبيرة من الضحايا وأبرزها هجوم مأرب. ناهيك عن الكارثة الإنسانية التي صارت تضرب اليمن التي شهدت أكثر من 3 آلاف قتيل من المدنيين، إضافة إلى أكثر من مليون نازح داخل اليمن حتى شهر أغسطس/آب الماضي.

هذه الأسباب وغيرها ربما تزيد من رغبة المملكة العربية السعودية في إنهاء حربها في اليمن. ورغم تأكيد نائب ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان في حواره مؤخرا مع صحيفة إيكونوميست البريطانية أنه لا يمكن تحديد إطار زمني لإنهاء الحرب في اليمن، إلا أنه قد أكد أيضا أن المعركة الآن سياسية في المقام الأول. وأن الجهود العسكرية الحالية تستهدف إلى دفع الحل السياسي، وإقناع الحوثيين أن كل يوم يمر  دون جلوسهم على طاولة المفاوضات فإنهم يخسرون على الأرض.

خلافات حول الحل السياسي

ورغم كل ذلك، تبقى المشكلة الأكبر  أنه، وحتى في داخل التحالف السعودي نفسه، فإنه لا يبدو أنه هناك اتفاق حول طبيعة الحل السياسي الذي يمكن الوصول إليه. ويتركز الخلاف بالتحديد بين المملكة العربية السعودية وحليفها الأهم داخل التحالف، والذي يقوم بالإشراف على معظم العمليات البرية، الإمارات العربية المتحدة. تحارب السعودية تحالف الحوثيين مع القوات المدعومة من الرئيس اليمني المخلوع على عبد الله صالح، وفي ذات الوقت فإن الإمارات لا تحمل ذات الموقع العدائي تجاه صالح وأنصاره. تستضيف الإمارات عددا من أسرة الرئيس اليمني المخلوع، وبعض أنصاره البارزين، وعلى رأسهم نجل صالح أحمد عبد الله صالح، الذي رفضت الإمارات طلبا من الحكومة اليمنية بإبعاده في يونيو/حزيران الماضي، ولا زالت الأنباء تتضارب بشأنه في حين تشير بعض المصادر إلى خضوعه للإقامة الجبرية، بينما تشير مصادر إلى كون نجل الرئيس اليمني المخلوع يمتلك مشروعات استثمارية ضخمة في مجال السياحة في الإمارات، منها مشروع عقاري يحمل اسم “مملكة سبأ”.  كما أن الإمارات قد استقبلت نجل شقيق صالح العميد عمار  محمد عبد الله صالح، الذي كان يشغل منصب وكيل جهاز الأمن القومي الاستخباري. وتشير مصادر  إلى أن الإمارات ربما تكون ساعية إلى حل سياسي يضمن فك الارتباط ما بين صالح والحوثيين، ويسمح بدخول صالح وأنصاره في المفاوضات السياسية.

هذا التمسك الإماراتي بالرئيس اليمني المخلوع لا يمكن فصله عن الموقف الإماراتي من حزب التجمع اليمني للإصلاح، فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. كان التراشق بين الإمارات وحزب الإصلاح اليمني محورا لحديث وسائل الإعلام منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. حيث شنت وسائل الإعلام الإماراتية حملة ضخمة ضد حزب الإصلاح؛ متهمة إياه بالتخاذل في معارك تعز. بينما انتشرت مجموعة تغريدات لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، يهاجم فيها الحزب ودوره في تعز. على النقيض من ذلك فإن العديد من وسائل الإعلام اليمنية قد اتهمت القوات الإماراتية بالانسحاب من تعز  خوفا من سيطرة الإصلاح عليها.

وتعز  هي محافظة يمنية ذات أغلبية سنية. وتعرف على أنها أحد معاقل التجمع اليمني للإصلاح، وقد كان عضو تجمع الإصلاح، «حمود سعيد المخلافي»، هو من قاد لجان المقاومة الشعبية التي دفعت «صالح» وأنصاره إلى خارج المدينة  إبان أحداث الربيع العربي في عام 2011. ويتمتع المخلافي بنفوذ كبير في المدينة بسبب عمله كمحكم في المنازعات المحلية.

على النقيض من ذلك، فإن المملكة العربية السعودية قد خففت كثيرا من لهجتها العدائية ضد تجمع الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين، وعلى الأخص في اليمن. ترتبط السعودية بعلاقات خاصة مع الإخوان في اليمن منذ الستينيات. حين استعانت السعودية بجهود زعماء القبائل في إبرام اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه عام 1970 بين الإماميين (الذين دعمتهم الرياض على مدى 8 سنوات دون جدوى)، وبين الجمهوريين. وفي أعقاب توتر العلاقات السعودية اليمنية إثر دعم الرئيس اليمني المخلوع لغزو صدام حسين للكويت في أوائل التسعينيات، فقد قام الزعيم القبلي الأشهر في اليمن، ومؤسس التجمع اليمني للإصلاح، عبد الله بن حسين الأحمر، بالتوسط لتحسين العلاقات بين البلدين مستخدما نفوذه الكبير في القبائل الشمالية.

مخاوف الانفصال

خلال العمليات الجارية للتحالف السعودي في اليمن، تقتسم السعودية والإمارات القيادة الميدانية للعمليات. ففي حين يتركز النفوذ السعودي في الشمال فإن الإمارات يبدو أن لها اليد العليا في عدن والمناطق الجنوبية. وهناك شكوك عديدة تحوم النفوذ الإماراتي في المحافظات الجنوبية.

أشارت صحيفة القدس العربي في وقت سابق نقلا عن مصادر يمينة، إلى سعي الإمارات العربية المتحدة إلى إبرام اتفاق ضمني مع رئيس الحكومة اليمنية خالد بحاح يعمد إلى التركز على المحافظات الجنوبية، وأن توجه الأولوية إلى تحرير المكلا قبل تعز وإب والحديدة؛ بدعوى تواجد حزب الإصلاح فيها، مشيرة إلى نشوء علاقة وثيقة بين الإمارات وبين بحا مؤخرا، إثر خلافات بينه وبين السعودية. وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قد أبدى انزعاجه من تطور علاقات بحاج مع الإمارات العربية المتحدة، وإمكانية حدوث تفهمات حول مسألة انفصال الجنوب.

قبل عام 1990، كان اليمن مقسما إلى دولتين، أحدهما في الشمال والأخرى في الجنوب. ارتبطت الدولة الشمالية التي كان يحكمها علي صالح في ذلك التوقيت بعلاقات قوية مع المملكة العربية السعودية، في حسن خضعت الدولة الجنوبية لحكم ماركسي معادي للسعودية. وقد دعمت المملكة اليمن الشمالي في الحرب ضدّ الجبهة الوطنية الديمقراطية، والتي كانت تحظى بدعم اليمن الجنوبي. وبعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي، فضّل السعوديّون إبقاء اليمن الشمالي كمنطقة عازلة بينهم وبين اليمن الجنوبي.

تخشى السعودية من عواقب الانفصال واحتمالية نشوء حكومة معادية لهم في عدن، خاصة مع زيادة نفوذ الحوثيين في الشمال. في حين أن للإمارات العربية المتحدة مصالح اقتصادية قد ترغب في ضمانها عبر تعزيز الحراك الجنوبي. أهم هذه الصالح هي ضمان النفوذ في ميناء عدن اللوجيستي المطل على مضيق باب المندب، والذي تنظر إليه الإمارات كتحديد محتمل لقطاع الموانيء الحيوي في البلاد.

وبين الحين والآخر تتصاعد دعوات الانفصال في اليمن الجنوبي، وبالأخص مع انتشار الفوضى في هذه المناطق بالرغم من التواجد العسكري الإماراتي، وزيادة نفوذ تنظيم القاعدة في هذه المناطق. لذا تبقى قضية الجنوب ودعوات الانفصال أحد التحديات الكبرى التي ترغب السعودية في حسمها قبل إنهاء عملياتها العكسرية.

مصير اليمن ما بعد الحرب

ووفقا للخطة السياسية المطروحة لحل سياسي للأزمة اليمنية والمعروفة إعلاميا باسم المبادرة العمانية، فإن الحل السياسي للأزمة اليمنية يتطلب أن يعقبه إعلان ضم اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي، من أجل مساعدة الدولة الفقيرة على تجاوز آثار الحرب والانقسام السياسي. ترفض الدول الخليجية منح اليمن عضوية مجلس التعاون الذي ينظر إليه بوصفه ناديا للدولة الثرية المنتجية للنفط. ولكن دعوات انضمام اليمن إلى مجلس التعاون تتصاعد بين الحين والآخر.

سوف يبقى اليمن رهنا برعاته الخليجيين لفترة طويلة بعد الحرب، خاصة بعد أن دمرت هذه الحرب كامل مقدرات الدولة العربية الأكثر فقرا. على جانب آخر، يبدو البعد الأمني أكثر خطورة. مع تواجد الحوثيين الذين يحتفظون بعلاقاتهم العدائية مع السعودية، سوى تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية حيث منحتهما الحرب فرصة لزيادة أنشطتهما (تنظر هذه التنظيمات إلى اليمن باعتبارها امتدادا طبيعيا للجزيرة العربية، وقد وحد تنظيم القاعدة فرعيه في اليمن والحجاز عام 2008 ليتشكل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب استنادا إلى هذه الرؤية)، فإن اليمن سوف يبقى صداعا مزمنا للأمن الخليجي.

وبصرف النظر عن مدى جدية النظر في إمكانية انضمام اليمن إلى دول التعاون، فإن يمن ما بعد الحرب سوف يظل إرثا خليجيا. بداية من رعاية أي اتفاق سياسي هش قد يتم التوصل إليه، إلى خطط إعادة الإعمار والأعباء المالية المرتبطة بدعم الجارة الفقيرة. وسوف تظل هذه تثير القلق السعودي، وبالأخص في ظل تزايد المنافسة المحمومة بين السعودية وإيران.

 

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password