فشل المخابرات المغربية بشقيها المدني والعسكري في الدفاع عن ملف الصحراء
أمام الصعوبات التي يواجهها المغرب في ملف الصحراء، يجري التركيز على عجز الدبلوماسية الرسمية وغياب الدبلوماسية الحزبية والموازية ومحدودية مراكز الدراسات الاستراتيجية في التكهن بالتطورات التي يشهدها الملف ووضع خطط لمواجهتها. ووسط كل هذا، يغيب الحديث عن دور المخابرات سواء المدنية الداخلية منها أو العسكرية التي تعمل في الخارج. وعمليا، تتحمل هذه المخابرات مسؤولية كبيرة في النكسات التي يسجلها هذا الملف الذي يصنفه المغاربة ب “القضية الأولى”. ويبقى التساؤل العريض: ما هي مسؤولية DST في ارتفاع الانفصال في الصحراء، ومسؤولية DGED في النكسات الدبلوماسية الخارجية؟
ويعتبر موضوع المخابرات في المغرب من الطابوهات بشكل يتجاوز بكثير المؤسسة الملكية التي أصبحت تخضع للنقاش والجدل. ونتيجة هذا الخط الأحمر الذي هو نفساني أكثر منه سياسي يغيب الحديث عن دور هذه الأجهزة في ملف الصحراء وخاصة تحديد مسؤوليتها.
وفي الدول المتقدمة، تعتبر المخابرات من المؤسسات الحقيقية التي تحمي البلاد من مختلف الأخطار التي تتعرض لها من خلال وضع استراتيجيات مختلفة المدى لمواجهات هذه الأخطار. وتعتمد رؤية تتجاوز المفاهيم الأمنية المحضة التي كانت سائدة في الماضي التي بقيت الآن مقتصرة على أجهزة الاستعلامات. وعملية استعراض وتحليل دور المؤسسة الاستخباراتية المغربية بشقيها، المدني والعسكري، في حماية الصحراء من الأخطار ستكون الاستنتاجات مقلقة وتبرز محدودية هذه المؤسسة على استعياب تطورات الملف مثلها مثل ما يحدث لوزارة الخارجية.
فشل DSTفي احتواء الانفصال
وداخليا، يفترض مساهمة رئيسية لمؤسسة حماية التراب الوطني المعروفة باللاتينية DST الحفاظ على وحدة البلاد. وإذا كانت مؤسسة الجيش تحمي البلاد ماديا، فالمخابرات يجب أن تضع خططا ذكية مكملة في هذا الشأن. والسؤال العريض الذي يطرح هنا: كيف فشلت هذه المؤسسة في مواجهة الانفصال في الصحراء؟ وكيف أصبح المغرب يجد نفسه في موقف حرج في الخارج بسبب تحركات أنصار تقرير المصير في الداخل؟ ولعل المثال البارز هو حالة أميناتو حيدر.
شهد المغرب هامشا ديمقراطيا ولحرية التعبير بسبب نضالات الجمعيات وبعض الأحزاب والشعب، وترتب عن هذا الهامش انتعاش أنصار تقرير المصير المنادين بالانفصال عن المغرب والذين يتقوون في الصحراء تدريجيا. ويبقى التساؤل، لماذا فشلت الدولة في احتواء هذه النزعة عبر الإقناع بمغربية الصحراء أو تعزيز المجتمع المغربي الوحدوي ليقف ندا للند في مواجهة دعاة الانفصال بشكل ديمقراطي وشفاف ؟ وهنا يدخل الدور الرئيسي للمخابرات المدنية المغربيةDST بحكم أنها تعمل في الخفاء، وهذا يسمح لها بوضع سيناريوهات والمناورة، لكنها فشلت في هذا الشأن.
ويبقى السبب الرئيسي في هذا الفشل هو نوعية التفكير السائدة في جهاز المخابرات الذي هو أمني محض بالمفهوم البوليسي والاستعلاماتي وبعيدا عن مفهوم السائد Service d´intelligenceفي الغرب. وبينما يقوم الأول بدور الشرطي يقوم الثاني بدور المساهم في صنع القرار السياسي أساسا والتأثير في توجيه الأحداث.
ولم يشهد المغرب جهازا من النوع الثاني القائم على صنع القرار لحماية الوطن بقدر ما اعتمد النوع الأول. ومع بداية القرن الجاري الذي صادف وصول الملك محمد السادس للحكم، كانت الظروف مناسبة للانتقال الى هذا النوع من الاستخبارات القائمة على الذكاء، إلا أن هذا لم يحدث لسببين رئيسيين، الأول وهو انفجار ملف الإرهاب والثاني تولي إدارة الجهاز عسكري من طينة الجنرال حميدو العنيكري من مدرسة بوليسية قديمة لوم يعمل خلفه أحمد حراري وخاصة عبد اللطيف الحموشي في تغيير الأوضاع.
وركزت المخابرات المدنية على ملف الإرهاب رغم أن خطره على المغرب كان محدودا مثل باقي الدول الغربية. وكان من نتائج هذه الاستراتيجية، عجز المغرب عن تقييم حقيقي لارتفاع أنصار تقرير المصير في الصحراء وهو ما يفسر قصور هذا الجهاز في اتخاذ مبادرات سياسية وإعلامية وثقافية لتحصين مغربية الصحراء. ويحصل هذا في وقت يعتبر الإرهاب ظرفيا بينما ملف الصحراء مركزيا بشأن مستقبل المغرب.
وتتوفر المخابرات المدنية على قسم للدراسات، لكنه يبقى محدود الأعداد والموارد، فلا يتجاوز عدده 20 فردا من أصل أكثر من خمسة آلاف موظف في الجهاز، ويبقى قصور الجهاز في الصحراء عاكسا لضعف هذا القسم أو عدم الأخذ بعين الاعتبار
ووفق الآراء التي استقتها الجريدة الرقمية ألف بوست من خبراء في هذا المجال، يؤكدون “احتل ملف الصحراء مرتبة ثانوية لدى الاستخبارات المدنية التي ركزت على الإرهاب، وكان الأجدر إنشاء مديرية خاصة بالإرهاب والتنسيق مع أجهزة الدرك والاستعلامات وترك العمل الميداني لهذه الأخيرة مثل تنفيذ الاعتقالات ضد الإرهابيين، وكان عليها إيلاء أهمية قصوى للصحراء لأنها مصيرية لمستقبل المغرب، لكن ما حدث هو العكس، فقد انخرط الجهاز برمته في مكافحة هذه الظاهرة”.
عجز DGED في الدفاع عن موقف المغرب دوليا
لا تقل مسؤولية المخابرات الخارجية المغربية ذات الطابع العسكري عن نظيرتها الداخلية المدنية، وربما قد تكون أكثر بحكم المشاكل التي يواجهها المغرب مقابل التقدم الكبير لجبهة البوليساريو بدعم من الجزائر في المنتديات الدولية، ذلك أن المعركة الحقيقية في ملف الصحراء أصبحت في الساحة الدولية بعدما نجح البوليساريو داخليا في تعزيز أنصار تقرير المصير الموالين له في العيون واسمارة والداخلة ضمن مدن وبلدات أخرى. ويتجلى عجز المخابرات العسكرية في ملف الصحراء فيما يلي:
—الفشل في خلق لوبيات في مختلف الدول الأوروبية ومنها في البرلمانات التي بدأ تعترف بالبوليساريو دولة وتؤيد جميع المبادرات التي يقدم عليها. ولم يصدر أي برلمان أوروبي قرارا مؤيدا للمغرب بما في ذلك البرلمان الفرنسي الذي بدأ البوليساريو يتسلل إليه.
– التركيز على استقطاب مسؤولي البوليساريو لاستقطابهم للمغرب، وهذا مهم ولكنه تم على حساب التركيز على المواجهة السياسية والدبلوماسية ضد البوليساريو.
-الفشل في تحريك الجالية المغربية في دول الاتحاد الأوروبي رغم أنها تتجاوز أربعة ملايين. وبعيدا عن مفهوم الاستقطاب الرخيص والتملق، عجز هذا الجهاز الذي يتولى إدارته ياسين المنصوري عن تنظيم قوة سياسية وثقافية لمغاربة الخارج في مواجهة البوليساريو.
– الفشل في المواجهة الإعلامية مع جبهة البوليساريو، فدولة مثل المغرب تفتقر لموقع إعلامي بمخلتف اللغات مكتوب بذكاء وبخطاب مختلف عن لغة الخشب و”العام زين” يدافع عن مغربية الصحراء. وقد استقطبت المخابرات المغربية مواقع وصحفيين أجانب، بل هناك حديث عن تمويلها مواقع إعلامية، لكن لا تأثير لها في دولها. ومن باب المقارنة، بينما تصدر مراكز دراسات وتنشر صحف دولية ذات مصداقية تقارير تصب في مصحلة البوليساريو، يستنجد المغرب بتقارير خبراء لا أحد يعرفهم، ومقالات لصحفيين غير معروفين. ولعل عنوان الفشل الذريع للاستخبارات العسكرية هو حالة السفير الأمريكي السابق إدوارد غابرييل الذي حصل على 20 مليون دولار خلال ست سنوات مقابل اشرطة فيديو في يوتوبم لم تتعدى مشاهدتها 60 شخصا خلال شهور، مواقع إعلامية لا يزورها أكثر من شخصين يوميا.
-الفشل الخطير في التكهن بالمسار التي يأخذ الصراع مع البوليساريو دوليا. ومن ضمن الأمثلة، فقد بدأ توظيف ملف حقوق الإنسان منذ سنة 2005، ولم تدرك المخابرات خطورة الملف. ولاحقا، بدأ تحريك ملف الثروات الطبيعية منذ خمس سنوات، ولم تستوعب المخابرات هذا التطور لمواجهته. والآن، يشهد ملف الصحراء تطورا خطيرا وهو سعي البوليساريو الحصول على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة على شاكلة فلسطين وقرار الدول الكبرى إيجاد حل في ظرف سنتين، ولكن المخابرات العسكرية مازالت مركزة على ملف حقوق الإنسان وكأن مستقبل الصحراء يقوم على هذه النقطة.
فكر مياوم وخطاب تبريري
يقترب عدد أفراد المخابرات المغربية بشقيها العسكري والمدني عشرة آلاف موظف، وهو رقم يعادل وقد يتجاوز العاملين في المخابرات الفرنسية والبريطانية التي لديها مصاحل في مجموع العالم، وتشن عمليات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعي للإبقاء على قوة دولها. لكنه رغم هذا العدد الكبير من الموظفين، يبقى تأثير الجهازين في توجيه ملف الصحراء بما يخدم مصالح المغرب محدودا للغاية. وعليه، كيف تفسر المخابرات المدنية ارتفاع أنصار تقرير المصير في الصحراء؟ وكيف تفسر المخابرات العسكرية فشلها في مواجهة البوليساريو دوليا؟
بعد الصعوبات التي يواجهها المغرب في ملف الصحراء، يعترف الجميع بمحدودية الدبلوماسية المغربية، ولكن لا تقل مسؤولية المخابرات في ملف الصحراء عن وزارة الخارجية. وتعمد جهات مرتبطة بهذه الأجهزة الى الترويج لخطاب تبرير يرتكز على مقولة شراء الجزائر للذمم. وعمليا، توظف الجزائر المال لمهاجمة المغرب، ولكن هذ الجزائر قادرة على شراء كل البرلمان السويدي الذي اعترف بما يسمى جمهورية البوليساريو؟ وهل تشتري الجزائر كل برلمانات الغرب التي تؤيد تقرير المصير ومراقبة حقوق الإنسان في الصحراء؟ وهل تمنع الجزائر المغرب من إنشاء مواقع إعلامية ذكية بعيدة عن لغة الخشب وإصدار كتب بمخلتف اللغات تدافع عن مغربية الصحراء؟ خطاب يحاول إبعاد المسؤولية عن الاستخبارات المغربية وغياب الكفاءة والذكاء في الدفاع عن مغربية الصحراء.
ويبقى خطئ وخلل الدبلوماسية والمخابرات في ملف الصحراء هو هيمنة ما يسمى “تفكير المياوم” الذي يركز على ما هو يومي في غياب تفكير استراتيجي يراهن على المدى المتوسط والبعيد في معالجة هذا الملف.