يسعى المنتظم الدولي الى تعزيز روابط التعاون القضائي ومنها إنشاء محاكم دولية وإقليمية، ويشهد هذا التعاون صعوبات بسبب اعتبار مجال القضاء من مجالات السيادة وبسبب توظيف الدول لهذا القطاع لأسباب سياسية لاسيما في الدول التي تفتقد للديمقراطية. ورغم ذلك نجح العالم في إنشاء محكمة العدل الدولية ومحاكم أخرى. ومن الدول التي تحضر فيها دعوات اللجوء الى القضاء الدولي حالة قضايا مطروحة في المغرب وتشغل الرأي العام فيه لاسيما في ملفات مثل الحراك الشعبي في الريف وقضية الصحفيين حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين والمحامي عبد الصادق البوشتاوي.
وتثير قضية الصحفي حميد المهداوي مدير الجريدة الرقمية بديل المعروف بتنديده بالفساد جدلا قانونيا، فقد جرى اعتقاله بفرضية عدم التبليغ عن مكالمة هاتفية بشأن شخص يريد إدخال دبابة روسية الى الحراك الشعبي في الريف، وهي تهمة تتعدى ما هو سوريالي. وتحظى قضيته بتعاطف كبير وسط الرأي العام المغربي.
كما تثير قضية الصحفي توفيق بوعشرين مدير جريدة “أخبار اليوم” صاحب الافتتاحيات المشاكسة جدا الكثير من الجدل القضائي والسياسي في البلاد لاسيما بعد مشاركة المحامي البريطاني روندي ديكسون ضمن فريق الدفاع عنه. وهو المحامي الذي قام بتعداد الخروقات المفترضة التي ارتكبها القضاء المغربي في حق هذا الصحفي ومنها عدم احترام قرينة البراءة وعدم عرضه على قاض التحقيق واعتقاله بدون حالة تلبس وإصرار النيابة العامة على الرفع من عدد المشتكيات والضحايا رغم نفي بعض النساء تعرضهن للتحرش الجنسي. ويكفي أن توظيف الدولة المغربية للأعلام العمومي بطريقة مشبوهة ضد بوعشرين في عملية شكلت إعداما مسبقا، كافي لخلق شبهات حول سلامة المعالجة القضائية للملف وغلبة الانتقام السياسي.
ويحضر العامل السياسي بقوة في محاكمة الحراك الشعبي في الريف، فرغم نفي المعتقلين اي نية في الانفصال، تفنن قضاء الدولة المغربية في توجيه اتهام الانفصال للمعتقلين، لكن هذا القضاء يقف عاجزا وصامتا بشكل لا بشرفه ولا يمتلك الشجاعة لفتح ملفات الانفصال في الجنوب والذين يتدربون علانية على السلاح في الجزائر ويعودون للمغرب. هذا ليس تحريضا لاعتقال أي أحد، كما لا يعتبر تبخيسا للقضاء المغربي بل فقط لتبيان الطابع السياسي للقضاء المغربي وكيف يتم توظيف القضاء بعيدا عن مبادئ الحق بل لخدمة أهداف سياسية. الدستور المغربي ينص على سواسية المواطنين أمام القضاء:ياسي لماذا في ملف يحضر الاعتبار السياسي وفي آخر يحضر التعسف السياسي؟
وفي علاقة بملف الريف، لم يسبق في سنوات الرصاص في الستينات وحتى منتصف الثمانينات أن تحول محام الملاحقين بتهم سياسية الى متهم بسبب تدوينات عادة ويصدر في حقه حكما قياسيا مثل حالة محامي الحراك الشعبي في الريف عبد ال صادق البوشتاوي الذي اضطر الى اللجوء الى أوروبا.
وأمام الجدل والخروقات التي تشهدها قضايا معينة أمام المحاكم ويعتقد أنه يحضر فيها الطابع السياسي أكثر من القضائي في دولة تفتقد لفصل حقيقي للسلط وذات تاريخ غير ناصع في الشفافية القضائية وتسبب في مآسي مثل سنوات الرصاص،نتساءل: هل يمكن اللجوء أو الاستئناف أمام القضاء الدولي في ملفات معينة ومنها ملفات بوعشرين كما طرح المحامي البريطاني أو المهداوي أو البوشتاوي؟
اللجوء الى القضاء الدولي أو الاستئناف أمام القضاء الدولي لا يعني انتقاصا من قيمة القضاء المغربي بل ربما ستكون تجربة هامة لقضاء لم يطور نفسه بالشكل الكافي مقارنة مع قضاء دول غربية التي قطعت أشواطا في هذا المجال مثل فرنسا وبريطانيا والسويد ضمن أخرى.
في هذا الصدد، يعتبر الاتحاد الأوروبي شريكا رئيسيا للمغرب في مختلف القطاعات العسكرية والاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية، وعليه نتساءل، هل يمكن تطوير علاقات التعاون القضائي المغربي-الأوروبي الى مستوى السماح للمغاربة بالاستئناف أمام المحكمة الأوروبية خاصة في القضايا ذات الطابع السياسي والتجاري؟
الأمر صعب ولكن ليس مستبعدا مستقبلا، صعب بسبب اعتبار الدولة المغربية القضاء مجالا للسيادة، لكن هذا فهم قاصر، فمعظم الدول الواعية تبحث عن تكامل قضائي ومحاكم عليا قد تصحح ما يرتكبه قضاتها من أخطاء، ولهذا دول عريقة في القضاء مثل المانيا أو الدنمرك وكل دول الاتحاد الأوروبي تقبل بالإستئناف أمام المحكمة الأوروبية وأمام الأمم المتحدة.
وتوجد ملفات عالجها القضاء المغربي والأوروبي في آن واحد وكانت النتيجة مختلفة، كما هناك ملفات فضلت الدولة المغربية اللجوء إلى القضاء الدولي بدل المغربي. ومن ضمن القضايا التي تتوفر فيها الميزتين ملف الصحفيين علي أنوزلا والإسباني إغناسيو سيمبريرو. فقد نشر سيمبريرو في جريدة الباييس شريطا لتنظيم إرهابي، ونقلت الجريدة الرقمية لكم رابطا للمقال. واعتقلت الدولة المغربية علي أنوزلا وتقدمت بدعوى ضد سمبريرو أمام القضاء الإسباني. وبينما مازال علي أنوزلا يخضع للمحاكمة أمام القضاء المغربي وتحولت المحاكمة الى سيف دومقليس معلقا فوق رأسه، خسرت الدولة المغربية الاستئناف ثلاث مرات في المحاكم الإسبانية ضد سمبريرو. لقد تعامل القضاء الإسباني مع سمبريرو بأنه قام بالإخبار وليس الإشادة بالإرهاب بينما ركزت الدولة المغربية على مبدأ الإشادة بالإرهاب في حالة أنوزلا، علما أن القضاء الإسباني متقدم في معالجة الإرهاب بسبب منظمة إيتا التي تعود الى الستينات بينما قوانين الإرهاب المغربي تعود الى ما بعد 11 سبتمبر. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد رفضت الاتهامات الموجهة الى علي أنوزلا، وهي الدولة التي فرضت على معظم دول العالم ومنها المغرب تعديل قوانينها لمحاربة الإرهاب.
وعليه، نتساءل، إذا عرضت قضايا الريف وتوفيق بوعشرين وحميد المهداوي وعبد الصادق البوشتاوي على القضاء الدولي هل ستكون الأحكام نفسها كالتي يصدرها القضاء المغربي؟ قد تكون الأجوبة على شاكلة السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي، لكن الأكيد أن بعضها سيكون مختلفا كما حدث في ملف أنوزلا-سمبريرو.