بعد الحادث الإرهابي الذي ذهبت ضحيته أثناء مهمة لها، لفائدة منظمة العفو الدولية بالعاصمة البوركنابية واغادوغو، تعددت التوصيفات التي أطلقت على ” ليلى العلوي ” في تغطيات وسائل الاعلام حولها. أوصاف من قبل فنانة، مصورة فوتغرافية، أو ناشطة حقوقية، أو نسائية. وإن كانت هذه التوصيفات تعكس جانبا من نشاطها، بيد أن كثرة هذه التوصيفات عمقت الابهام حولها.
فمن هي ليلى العلوي من الناحية الفنية والأكاديمية؟
الفرنسية المغربية ليلى علوي المتخصّصة في الهويّات الثقافيّة وموضوع الهجرة واللجوء، ولدت في سنة 1982 في باريس، من أب مغربي وأم فرنسية. وبعدما استكملت تعليمها الثانوي في مراكش، توجهت لإكمال دراستها في إحدى جامعات نيويورك لدراسة علم الاجتماع والتصوير الفوتوغرافي.
فما دلالة هذا الدمج بين الفوتوغرافيا والسوسيولوجيا في الدراسات الأكاديمية ؟ وما علاقة مصورة أو فنانة تصوير بتخصص الهويّات الثقافيّة، وموضوع الهجرة واللجوء ؟
على ضوء الاجابة على هذه الاسئلة سنتعرف أكثر على ليلى العلوي.
تاريخ التصوير الفوتوغرافي و العلوم الاجتماعية
تتشارك كل من السوسيولوجيا، والتصوير الفوتوغرافي في النشأة. فالمعروف أن التقعيد العلمي للسولوسيوجيا بدأ في أوائل القرن التاسع عشر مع ” أوغست كونت “. وتزامن في نفس الفترة ظهور التصوير الفوتوغرافي مع ” داجير ” سنة 1839.
وإذا كان ظهور السوسيولوجيا كعلم يحاول فهم أو تفسير التحولات الاجتماعية التي شهدتها أوروبا أنذاك، فإن رهانات التصوير الفوتوغرافي كانت ترمي إلى إعادة إسقاط الواقع على وسط يمكن إعادة رؤيته ( رغم زوال الواقع الاصلي أو تغيره) من خلاله .
ومن بين ما توسلت به السوسيولوجيا لفهم المجتمع، استعمال مناهج وظفت التصوير الفوتوغرافي كأداة للوصف والامساك بالواقع، وهو الأمر الذي سيمتد لحقول اجتماعية أخرى لتعتمده خاصة الدراسات الانتروبولوجية .
وهكذا سعت بعض الجامعات لدمج هذا التخصصين لما لهما من تشابه و تكامل .
مدرسة ما بعد الاستعمار / Post-colonialism في الانتروبولوجيا.
يصعب تعريف الانتروبولوجيا لتنوع تعاريفها بتنوع مدارسها واتجاهاتها. لكن سنعتمد التعريف الذي أعتُمد عند ظهوره – والذي كان متؤثرا بالتطورية – كعلم لدراسة الشعوب (البدائية)، وهو علم في بدايته، كانت الغاية منه دراسة الأخر البدائي – غير الأوروبي – قصد فهمه لإستعماره فيما بعد.
وهكذا اعتمد الكثير من الرحالة الانتروبولوجين التصوير الفوتوغرافي، في دراستهم الحقلية. لإظهار عادات و تقاليد الشعوب، والتي صوّرت بتحيز وحشية وبدائية أو طيبة تلك الشعوب. فكانت تلك الصور شواهد تبريرية لتدخل الدول الاستعمارية إما لتحضير البدائيين ( المتوحشين ) أو مد يد العون للبدائيين الطيبين، بإدخال الحضارة الحديثة عليهم .
وفي هذا السياق صرحت ليلى العلوي في أحد حوارتها : إن “دافعي كان إعادة النظر في صورة البورتريه، وإظهار المغرب بطريقة أكثر طبيعية، رغم أنها لا تتمتع بموضوعية أقل، من خلال عيون أهل المغرب”.
وهذا التصريح يعكس تأثراً بمدرسة ما بعد الاستعمار Post-colonialism ، وهي مدرسة بدأت بإحدى الجامعات في النيويورك ( جامعة كولومبيا ) حيث درست. مع كتابات “إدوارد سعيد”، و قبله “فرانز فانون” وغيرهم.
وتقوم وجهة نظر هذه المدرسة أن المعرفة تتشكل من خلال وجهات نظر المجموعات الاجتماعية التي تنتجها، وبهذا تحاول إنتاج معرفة أو كتابة التاريخ بوجهة نظر وبتحيزات السكان الأصلين، أو المهمشين على الخطاب الرسمي المنتج للمعرفة .
وهو ما حاولت أن تقوم به ليلى العلوي، حيث أضافت في الحوار السابق ذكره : “علماً أن رؤيتي لا تمكن أن تكون خالية من أي شكل من أشكال الذاتية، إذ أردت أن أحافظ على على حياد معقول في مقاربتي للصور وإبراز الخيارات الجمالية حتى أبتعد عن الصور الفلكلورية المعتادة.”
وقالت أن مشروعها كان مستوحى من “الأمريكيان” لروبرت فرانك، “في الغرب الأمريكي” لريتشارد أفيدون، حيث دفعها إلى رحلتها في جميع أنحاء البلاد لإلتقاط الصور للرجال والنساء والأطفال من جميع الأعمار، والمجموعات العرقية والقبلية المتنوعة ، في مختلف المناطق الحضرية والريفية في المغرب.
وفي الأخير، يصعب أن نختزل ليلى العلوي في مجرد مصورة أو ناشطة سياسية وحسب، بل هي أكبر من مصورة ولا أقل من أنتروبولوجية .