“المدن السبع” هو اسم الرواية الجديدة للكتاب الإسباني لورينسو سيلفا الذي جعل من فترة الحماية الإسبانية في شمال المغرب فضاءا لعدد من رواياته، ويتميز في بناء أعماله الأدبية بتعاطيه الموضوعي والواقعي بعيدا عن الأحكام المسبقة التي طبعت الكثير من الأعمال. وهو بهذا يقوي من التيار الذي كان قد دشنه الروائي العملاق “بينتيو غالدوس” في رواية “عيطة تطاون” في بداية القرن الماضي.
لورنسو سيلفا، أحد أكبر المبدعين باللغة الإسبانية في الوقت الراهن، حصل على جوائز رفيعة ومنها “بلانيتا”، يفسر لجوءه مجددا الى فترة الحماية كفضاء لتشكيل ونسج أحداث روايته الجديدة المعنونة “بسبع مدن” للحضور الطاغي للمغرب في المخيال والواقع الإسباني على حد سواء.
ويقول في هذا الصدد “الحماية الإسبانية في شمال المغرب تركت بصمة قوية في مخيلة الذين عاشوا هناك”. ويضيف موضحا هذه النقطة أكثر في حوار مع مجلة ميركوريو في عددها الأخير “المغرب يشكل مفتاحا لمعرفة كل ما جرى في اسبانيا ابتداءا من سنة 1931”. وهو بهذا يحيل الى إعلان الجمهورية ثم الانلاب العسكري سنة 1936 انطلاقا من شمال المغرب بزعامة فرانسيسكو فرانكو.
والمدن السبع الواردة في الرواية واستوحى عنوانها منها هي: تطوان والعرائش والشاون والحسيمة والناضور وسبتة ومليلية المحتلتين، مستثنيا طنجة التي كانت تابعة لسلطة دولية. وفي حديثه عن عمله الأدبي الجديد في موقعه في شبكة الإنترنت يقول: “الكتاب هو رحلة في فترة جرى الجمع بين المدن السبع ما بين العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي خلال غزو المغرب وبسط النفوذ الإسباني. الكتاب يروي قصة صراع وفي الوقت ذاته قصة بناء، تتقاطع محاولات الفهم ورغبات متبادلة. الكتاب سفر في عوالم المخيلة المشتركة المغربي-الإسبانية”.
ويثني النقد الأدبي على القيمة الأدبية في أعمال هذا الروائي الذي تخلى عن مهنة المحاماة ليرتمي في أحضان الأدب ويحجز لنفسه مكانة مرموقة وسط كبار المبدعين في اسبانيا، ولكن يبقى الجانب الذي أغفله النقاد الإسبان حتى الآن ولم يعيروه اهتماما هو القيم المتضمنة في إبداعات لورنسو سيلفا حول المغرب، وهي قيم متحررة من ثقل التاريخ وإكراهاته وتجعل من خطابه الأدبي مثقلا بكل ما هو إنساني وتصالحي. فقد جعل من فترة الحماية الإسبانية فضاءا لرواياته المتعددة منها العمل الأخير “المدن السبع” و”رسالة بيضاء” و “باسمنا نحن” و”من الريف الى جبالة”، ولم يسقط في تلك الأحكام المسبقة التي تنهل مما هو استشراقي ولاحقا ما هو استعماري التي سقطت فيها مجمل الإبداعات الأدبية منذ أن بدأ الروائيون الإسبان يكتبون عن “الجار الجنوبي”، المغرب، ويرون فيه التجسيد الميداني للاختلاف والخلاف، حضارة وفكرا وثقافة. وتغذت هذه الرؤية بسلبيات التاريخ من مواجهات حربية وصراع ديني وبناء هوية كل طرف في مواجهة الآخر. وسبق للناقد والروائي المغربي الدكتور محمد أنقار أن فكك عناصر وخطابات هذه الرؤية الاستعمارية في كتابه “بناء الصورة في الرواية الاستعمارية: صورة المغرب في الرواية الإسبانية”.
لورنسو سيلفا يستعيد وينتشل من الأدب الإسباني في تعاطيه مع المغرب تلك الرؤية التي دشنها الروائي العملاق بينتو بيريث غالدوس في بداية القرن العشرين، فقد كان هذا الروائي أول من تمرد على النظرة العدائية والدنيوية التي حجزها وخص بها الأدب الإسباني الإنسان المغربي والمغرب عموما. وجسد غالدوس رؤيته في رواية “عيطة تطاوين” سنة 1904 ضمن سلسلة رواياته الشهيرة “حلقات وطنية” يحكي فيها تاريخ اسبانيا منددا بالتطرف المسيحي ومشاعر الكراهية ضد المغرب في حرب تطوان سنة 1860 وما عززته من مشاعر مشابهة امتدت لعقود طويلة. وترجم عمر بوحاشي هذه الرواية الهامة في تاريخ الأدب والفكر الإسباني لما شكلته من منعطف في رؤية المغرب.
ويصبح لورنسو سيلفا برهانه على أدب الانصاف التاريخي ومناهضة الكراهية وتعزيز قيم اللقاء والتسامح في إبداعاته الأدبية تجاه المغرب بمثابة “غالدوس الجديد”.