وَكَمْ ذَا بالمَغربِ مِنَ المُضْحِكَاتِ.. وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكَا». رددت هذا البيت الشعري، مع الاعتذار إلى أبي الطيب المتنبي عن تعويض مصر بالمغرب، وأنا أقرأ نص المذكرة التي رافع بها السيد نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الجمعة الماضية.
الأستاذ جمال الزنوري، وهو يفصل في الحالات التي يقول إن الصحافي توفيق بوعشرين اتجر فيها بالبشر، اعتبر أن الحاجة الملحة التي قد تجعل مسؤولة كبيرة في ديوان وزيرة في حكومة العثماني تفقد إرادتها وتصبح تحت رحمة بوعشرين، هي حاجتها إلى إجراء حوار صحافي حول أهمية التواصل بالنسبة إلى الإدارات العمومية.
فبهذه السهولة أدخل الأستاذ الزنوري عمل امرأة تطرق باب الجرائد والمؤسسات للتعريف بعمل وزيرتها، ضمن حالات «الضعف أو الحاجة أو الهشاشة» التي حددها قانون مكافحة الاتجار في البشر. فالسيدة إياها، حسب تفسير السيد نائب الوكيل العام، قادتها حاجتها الملحة إلى مقابلة بوعشرين لتعريفه بالأنشطة التي تقوم بها وزارتها، إلى فتح ساقيها له، مكرهة. تماما كما قد يحدث لامرأة وجدت نفسها في جبهة قتال؛ أمامها داعش تطلق النيران من كل جانب، وخلفها منزل يطل منه رجل يتلمظ شفتيه ويتحسس أعضاءه، شهوة وكبتا، فاستغاثت من رمضاء داعش بنار مغتصب ساومها على حياتها باستغلالها جنسيا.
السيد نائب الوكيل العام قام أيضا بتعريف الحاجة الملحة لسيدة أخرى، وصفتها المصالح الأمنية البلجيكية بأنها تشكل خطرا أمنيا على بلادها لأنها على علاقة بجهاز استخباراتي، بقوله إن ما جعل هذه السيدة مسلوبة الإرادة أمام بوعشرين هي رغبتها في تنظيم لقاء إعلامي بفندق نوفوتيل بالدار البيضاء. ولم يتوقف السيد الزنوري عند هذا الحد، بل واصل مفصلا في الحالات التي تستوجب، حسبه، شنق توفيق بوعشرين على حبال قانون الاتجار في البشر، وقال إن من أصناف الحاجة التي قد ينتج عنها سلب إرادة صاحبتها، رغبة إحدى المشتكيات في اقتناء تذكرة طائرة إلى فرنسا.
هكذا وقف السيد الزنوري، بكل اطمئنان، وشرع يجرجر حالات كهذه لحشرها، تعسفا، في قانون الاتجار في البشر، مع أن بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص.. المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والذي صادق عليه المغرب، يُعرِّف الاتجار في البشر بأنه «تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء». فهل ينطبق هذا على سيدة الوزارة وسيدة الفندق وسيدة الطائرة؟ الأنكى من هذا هو إصرار ممثل النيابة العامة على إدراج أمل الهواري، التي صرحت أكثر من مرة وكتبت على صفحتها بالفايسبوك تقول: «توفيق بوعشرين ما اغتبصني.. ما حاول يغتصبني.. ما كانت عندي معاه علاقة جنسية.. ما كانت عندي معاه علاقة غرامية.. ما دفعت شكاية.. معرفت هادشي منين نزل عليا»، وإصراره أيضا على تصنيف عفاف برناني وحنان بكور ووصال الطالع ضمن الضحايا رغم نفيهن ذلك بشكل قاطع أمام المحكمة، وتبرئتهن الصحافي بوعشرين بشكل لا لبس فيه.
إن مذكرة السيد نائب الوكيل العام، ما كان لها أن تستطيب هذا المزاح القانوني، لولا بعض المرافعات والتصريحات الركيكة لنوع من المحامين، مثل تلك التي قالت إن النساء المستنطقات في هذا الملف شبيهات بالمناضلة الأزيدية العراقية، نادية مراد، التي اختطفها تنظيم داعش الإرهابي وتاجر بها، وحازت جائزة نوبل للسلام استحقاقا على مقاومتها مختطفيها. انظروا إلى درجة الخفة والاستخفاف التي وصلت إليها هذه المحاكمة.
إن مستوى اللخبطة والعبث الذي أصبح يطبع محاكمة توفيق بوعشرين، يؤكد الخوف الشديد من أداء فاتورة الفشل المحتوم الذي يسير إليه مخطط الاغتيال المعنوي لهذا الصحافي، وارتفاع منسوب التعاطف الشعبي معه، والاعتقاد في مظلوميته من طرف كل فئات المجتمع وقواه الحية. وأيضا مع تحركات فريق المحامين الدوليين الذي أوصل قضية بوعشرين إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والذي يعكف حاليا على تهييء دعاوى جنائية على قاعدة الاختصاص الكوني، ستقام في العديد من الدول، بالإضافة إلى تهييء شكوى خاصة للأمم المتحدة بخصوص استغلال اتفاقية محاربة الاتجار بالبشر من أجل تصفية الأقلام الصحافية المزعجة.
وبيننا الأيام لنعرف حجم تسييس وتبئيس هذا الملف، دون أن نستغرب، من الآن، أن يخرج بعض أصحاب البذلة السوداء والمسار المهني والسياسي الأسود، للقول إن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان انحاز إلى بوعشرين، مثلما خرج محامو السيسي وإعلامه يقولون إن باراك أوباما وهيلاري كلينتون منحازان إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومثلما خرجت أبواق صدئة لتبرئة قتلة خاشقجي من دمه.
المقال من مصدره