رفع المغرب من إيقاع محاربة التهريب خاصة بين الأراضي المغربية وسبتة المحتلة، وقد يطبق السياسة نفسها مستقبلاً في حالة مليلية. وتوجد دوافع اقتصادية واجتماعية وراء قرار الرباط بعيداً عن التفسيرات السياسية التي ربطت ذلك بموقف مدريد من الحراك الشعبي في الريف أو اليمين المتطرف فوكس خاصة في ظل الدعم الذي تقدمه مدريد للرباط أوروبياً.
ومنذ الصيف الماضي، نهج المغرب سياسة تشدد تدريجية في منع دخول البضائع المهربة من سبتة شمال المغرب نحو باقي أراضي المغرب عبر مدينتي الفنيدق وتطوان. وهذه أول مرة، ومنذ استقلال المغرب في الخمسينات يلجأ إلى منع التهريب، ولم يفعل ذلك حتى إبان فترات التوتر الكبير سواء في السبعينات بسبب ملف الصحراء أو الثمانينات بسبب ملف سبتة ومليلية وسنة 2002 بسبب السيادة على جزيرة ثورة الواقعة في مضيق جبل طارق التي كادت أن تتطور إلى مواجهة مسلحة بين البلدين.
وعلمت «القدس العربي» من مصادر مغربية رفيعة بأن السبب الرئيسي وراء محاربة التهريب هو وضع حد لحالة شاذة في الاقتصاد المغربي وهو عدم خضوع ما يقارب 800 مليون يورو، أي قرابة مليار دولار للضرائب. ويعد وزير المالية الجديد، محمد بنشعبون، من أبرز المدافعين عن وضع حد للتهريب، لا سيما في ظل وجود حرية الاستيراد واتفاقيات تبادل حر مع عدد من الدول عبر الطرق القانونية.
وراهنت الدولة المغربية على محاربة التهريب بعدما تبين لها أنه انتقل من مستوى التهريب المعيشي إلى مستوى التهريب المنظم الذي يسيطر عليه مجموعة محدودة من الأفراد بينما الباقي يعمل فقط في حمل البضائع وخاصة النساء. كما توصلت إلى محدودية تأثيره اجتماعياً في حالة منعه. ومثلاً، ترتب عن محاربة التهريب عودة الكثير من المغاربة إلى مدنهم الأصلية ومزاولة حرفهم السابقة.
وتعتقد الدولة المغربية أن ممارسي التهريب، سواء الشبكات المنظمة والتي من أعضائها أفراد من الشرطة والجمارك، وفق تقرير للبرلمان المغربي، أو المتاجر في الفنيدق وتطوان راكموا من الثروات الكثيرة التي تجعلهم قادرين على الاستثمار في مختلف القطاعات وخلق مناصب شغل قد تعادل تلك التي يوفرها التهريب. وعملياً وباستثناء الذين يمتهنون نقل البضائع وخاصة النساء، يعد تجار التهريب في شمال المغرب وخاصة تطوان والفنيدق من طبقة الأغنياء أو أعلى الطبقة المتوسطة القادرة على خوض غمار الاستثمار.
في الوقت ذاته، كانت أوساط أمنية تطالب بمحاصرة التهريب بعدما سيطر على جزء من نشاطه محافظون ومتطرفون، وتحول إلى مصدر لتمويل الأنشطة المتطرفة دينياً.
وتضرر اقتصاد سبتة جراء محاربة التهريب بحكم أن النشاط التجاري يشكل ركيزة للاقتصاد في المدينة، وتبحث حكومة الحكم الذاتي في سبتة عن بديل لمداخيل التهريب والتي ستكون عبر مساعدات أوروبية وعبر ضخ الحكومة المركزية في مدريد لأموال لاستثمارها.
وتدرك حكومة مدريد غياب أسباب سياسية وراء القرار المغربي رغم ما تنشره الصحافة في إسبانيا والمغرب. فلا تنوي الرباط في الوقت الراهن طرح مشكل السيادة على سبتة ومليلية، حيث يطالب المغرب باستعادتهما من الاحتلال الإسباني، وذلك خوفاً من رد فعل في ملف الصحراء. في الوقت ذاته، قرار المغرب غير مرتبط بما يتم الترويج له بأنه عقاب على تقدم حزب فوكس اليميني المتطرف في سبتة وما يفترض دعم هيئات سياسية لحراك الريف طالما أن حكومة مدريد المركزية لا تتبنى مواقف مقلقة لمصالح المغرب في ملفي الصحراء والريف بل تعد مدريد خير دافع عن مصالح الرباط كلما جرى ربط المساعدات والاتفاقيات بحقوق الإنسان في المغرب. وكانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي دافعت عن نشطاء الريف هي هولندا وليس إسبانيا. ويتفادى المغرب تأزيم العلاقات مع إسبانيا إدراكاً منه بقدرة الأخيرة عرقلة جميع الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وسبق لإسبانيا أن تبنت سياسة متشددة ضد مصالح المغرب في الاتحاد الأوروبي بعد أزمة جزيرة ثورة صيف 2002.
قرار المغرب محاربة التهريب من سبتة اقتصادي محض دون خلفيات سياسية
سبتة المحتلة