في تقارب هو الأول من نوعه منذ عقود، عبرت كل من إيران والولايات المتحدة عن استعدادهما للتعاون من أجل استتباب الأمن في العراق ووقف تقدم المتشددين الإسلاميين، فما مدى واقعية هذا التعاون بين واشنطن وطهران؟
تتواصل تداعيات الأزمة العراقية القائمة منذ الهجوم الذي بدأه متشددون إسلاميون، مما مكنهم من السيطرة على بعض المدن العراقية.بعدها، دعا مسلحو تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الإرهابي الذي يعرف اختصارا بـ”داعش” إلى مواصلة “الزحف” جنوبا نحو العاصمة بغداد ومدينة كربلاء الشيعية. ويأتي ذلك في وقت أعلنت فيه مفوضة حقوق الإنسان عن تقارير متواترة بخصوص تنفيذ هؤلاء لمئات عمليات الإعدام.
وتبادلت السعودية والعراق الاتهامات حول مسؤولية الأحداث التي يشهدها العراق، فقد حملت الحكومة العراقية المملكة العربية السعودية مسؤولية “الدعم المادي الذي تحصل عليه الجماعات الإرهابية وجرائمها التي تصل إلى حد الإبادة الجماعية” في العراق، بينما اتهمت السعودية بدورها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدفع بلاده نحو الهاوية بسبب اعتماده سياسة “إقصاء” العرب السنة وذلك في أول تعليق رسمي للمملكة على الأحداث الأخيرة.
ويبدو أن الوضع المعقد في العراق سيشكل لأول مرة منذ عقود نقطة تقارب بين الخصمين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بعدما أعطى كل منهما إشارات إيجابية بخصوص إمكانية التعاون معا من أجل التصدي للجماعات المتشددة، ويتزامن ذلك مع انفراج دبلوماسي في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية وبريطانيا بعد حادثة إغلاق السفارة البريطانية في طهران سنة 2011.
مصالح أمريكية إيرانية مشتركة
تصريحات مسؤولين كبار إيرانيين وأمريكان عن إمكانية تعاون مشترك بشأن العراق شكل أمرا غير مسبوق منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. ويرى مراقبون أن هذا التعاون من شأنه تعزيز موقف حكومة بغداد، الحليف المشترك للعدوين اللدودين. وتفسر مها الخطيب الخبيرة السياسية العراقية التغيير الأخير في التعامل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بأنه اتفاق مبطن بين الطرفين لاستغلال أزمة العراق من أجل إيجاد صيغة للتعاون مستقبلا. “ومن أدلة ذلك أن إيران لم تتدخل حتى الآن رغم ما ألحقه المسلحون من أذى برموز شيعية مقدسة في العراق وعدم تدخل الولايات المتحدة أيضا”، كما تقول الخطيب. وتضيف الصحافية العراقية في حوار مع DWعربية “الطرفان وجها معا انتقادات بلهجة شديدة إلى حكومة كردستان وحذراها من مساعدة داعش. هناك اتفاق على أسلوب التعامل مع هذا الملف”.
وترى الخطيب أن ما يحدث في العراق يخدم مصالح كل من طهران وواشنطن معا، “عدا عن كونها فرصة لتحسين الأجواء بينهما وتحقيق تبادل دبلوماسي”. وتقول الخطيب “ما يحدث يخدم إيران لأنه كلما اختل الوضع في العراق كلما كانت تلك فرصة لإيران لتعزيز نفوذها فيه أكثر ولصرف اهتمام المجتمع الدولي عن ما يحدث في سوريا”. وتعتقد الصحفية العراقية أيضا “أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تثبت للعالم أنها الضامن الوحيد لوحدة العراق وأمنه، وتسعى للدخول مجددا إلى العراق من أجل ترتيب البيت الداخلي كما تريد”.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وصف تقدم مقاتلي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بأنه “تهديد وجودي للعراق” في الوقت الذي صرحت فيه بلاده بأنها قد تشن ضربات جوية وتعمل مع إيران لدعم الحكومة العراقية بعد التقدم السريع للمقاتلين المسلحين السنة شمال العراق.
“واشنطن تدفع ثمن شنها حرب العراق”
ولم يتم حتى الآن التطرق لتفاصيل دقيقة حول الشكل الذي سيأخذه هذا التعاون، لكن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أعلنت أن المحادثات مع إيران بشأن العراق لن تكون حول تعاون عسكري، وإنما ستسعى واشنطن إلى حث طهران للضغط على حكومة المالكي لحل الأزمة بأسلوب غير طائفي.
ومن جهته، لا يتوقع شتيفان بوخن الخبير السياسي الألماني في شؤون الشرق الأوسط أن تقاتل قوات أمريكية وإيرانية جنبا إلى جنب على الأرض داخل العراق. ويقول بوخن “هذا التعاون إذا ما تم قد يعني أن الولايات المتحدة لن تعارض دخول قوات إيرانية إلى العراق، كما أن إيران لن تحتج على التدخل الأمريكي فيه”.
ويضيف بوخن في مقابلة أجرتها معه DW عربية “عندما نتحدث عن تعاون فقد يكون ذلك قبولا متبادلا لتدخل قوات عسكرية من الطرفين، أو تنسيق بين الجانبين وأن يضع كل طرف الآخر في الصورة فيما يتعلق بخططه”. لكن الخبير السياسي الألماني يعتبر التقارب الأخير بين طهران وواشنطن “تطورا عجيبا”، فلطالما اعتبرت الولايات المتحدة إيران “قوة شريرة” تهدد الصلح والسلام في المنطقة.
ويعزو بوخن تغير الخطاب الأمريكي بخصوص طهران إلى الحرب التي شنتها واشنطن على العراق عام 2003، إذ يقول: “أعتقد أن واشنطن لم تكن تتمنى أن تضطر للتعامل مع قوة صنفها بوش في محور الشر كإيران، لكنها بذلك تدفع ثمن الحرب التي تورطت فيها بالعراق والسياسيات غير الحكيمة للإدارة الأمريكية في المنطقة ككل طيلة 15 سنة الماضية”، ولهذا يتوقع بوخن أن التعاون المحتمل بين العدوين سيكون محدودا سواء من حيث الحجم أو الزمن.
من جهتهم رحب مسؤولون ألمان بأي تعاون من أجل تهدئة الأوضاع الأمنية في العراق، حيث قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني نوربرت روتغن في تصريحات صحفية إن إيران “مستعدة للمساهمة” والسعودية كذلك وأن “أي تعاون منسق بين الخصوم الإقليميين والولايات المتحدة من شأنه أولا التصدي لداعش كما أنه سيعطي أملا جديدا في المنطقة ككل”.
ويرى بوخن أن على ألمانيا مراجعة مواقفها فيما يتعلق بصفقات التسليح التي تعقدها مع بعض الدول. ويقول الخبير السياسي الألماني محذرا: “ألمانيا تبيع الأسلحة لكل من قطر والسعودية وهذه الأسلحة قد تكون نفسها التي يتم بها دعم داعش عسكريا في العراق والعمليات المسلحة في سوريا أيضا”.