قليلة هي الكتب التي يكتبها المغاربة حول ملكهم، خاصة الكتب ذات الطابع النقدي لأداء المؤسسة الملكية التي تحكم بدون محاسبة أو مراقبة في المغرب. وغالبا ما تكون هذه الكتب مثار جدل نظرا لما تطرحه من أسئلة لم يتعود المغربي أن يطرحها حول المؤسسة الملكية التي تحتكر كل السلطات المهمة في البلاد.
فقد تعود المغاربة على تقديس الملك، كما كان ينص صراحة على ذلك الدستور، كما أن الخوض في المواضيع التي تخص المؤسسة الملكية كان ومازال يعتبر من المحظورات. لذلك كان يجب الانتظار إلى أن يقوم باحث أو صحافي غربي بإنجاز كتاب حول المغرب ليطلع المغربي البسيط على ما يجري خلف الأبواب الضخمة للقصور الملكية، حيث يقرر مصيره ويرسم مستقبل بلاده. وغالبا ما كانت ردة الفعل الرسمية تأتي عنيفة، إما بمنع تلك الكتب من دخول المغرب أو بشن حملات “شعبية” تحركها السلطة لتشويه أصحابها، حتى لو أدى ذلك إلى توتر في العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي ينتسبون لها، كما حدث نهاية ثمانينات القرن الماضي مع كتاب الصحافي الفرنسي الشهير جيل بيرو: “صديقنا الملك”، الذي كشف فيه لأول مرة عن أسرار الحديقة الخلفية لقصر الملك الراحل، حيث التعذيب الهمجي، والمعتقلات السرية، وطبائع الاستبداد التي تعود إلى القرون الوسطى. حينها تولى أعيان وخدام الدولة مهمة حث المواطنين على بعث رسائل تلغراف إلى قصر الإليزيه الفرنسي يحتجون فيها لدى الرئيس الفرنسي، آنذاك، الإشتراكي فرانسوا ميتران على ما كتبه مواطنه من أشياء تسئ إلى الملكية وتخدش “قدسية” الملك!
حدث ذلك في ثمانينات القرن الماضي، عندما لم يكن ممكنا تصور أن يقتني مواطن مغربي كتابا ينتقد الملك، وبالأحرى أن يكون هو كاتبه. ومع بداية عهد الملك الحالي محمد السادس، عام 1999، كان في حاجة إلى تأسيس شرعيته على أساس فضح سنوات الجمر والرصاص في عهد والده، ففتح الباب مٌشرعا لشهادات الضحايا على شاشة التلفزيون الرسمي، وعلى صفحات الجرائد المغربية، وفي الكتب التي أٌلِّفت لأول مرة باللغة العربية وفي المغرب ومن طرف مغاربة تنتقد عهد الملك الراحل.
لكن تلك كانت مجرد فترة استراحة فرضتها ضرورة المرحلة الانتقالية، في انتظار أن يؤسس العهد الجديد لشرعيته التي ستخول له الضبط والقمع فيما بعد بأدوات جديدة وأسلوب جديد. كانت البداية مع خنق الصحافة المستقلة التي عرفت أوج ازدهارها في السنوات الأولى لعهد الملك محمد السادس. وليس غريبا أن يكون اليوم اثنان من أبرز من ألفوا كتبا تنتقد عهد الملك الحالي من خريجي مدرسة هذه الصحافة. فقد اعتقد النظام في المغرب أنه بقضائه على الصحافة المستقلة سيقضي على كل الكتابات المنتقدة للملكية. لكن النتيجة كانت عكسية، وخلال السنوات الأخيرة صدرت عدة كتب ألفها مغاربة تنتقد أداء المؤسسة الملكية خلال 15 سنة من حكم الملك محمد السادس.
أبرز هذه الكتب “محمد السادس، سوء الفهم الكبير”، للصحافي علي عمار، وآخرها كتاب صدر حديثا تحت عنوان “محمد السادس خلف الأقنعة” للصحافي عمر بروكسي، وقبله كتاب للأمير هشام العلوي، ابن عم الملك صدر ربيع هذا العام تحت عنوان “الأمير المنبوذ” يكشف فيه عن خبايا الحكم داخل القصر في عهد عمه الملك الراحل الحسن الثاني.
ولا داعي للتذكير أن كل هذه الكتب كتبت باللغة الفرنسة وصدرت في باريس، ورغم أنه لم يمنع رسميا توزيعها في المغرب إلا أن أيا من الموزعين المغاربة لم يطلبها ليعرضها على رفوف المكتبات المغربية. وكلها ووجهت بحملات تشويه من طرف الإعلام المحسوب على السلطة، وقاطعتها وسائل الإعلام الرسمية، رغم ما تركته من صدى وردود أفعال على صفحات المواقع الاجتماعية التي باتت تعتبر أكبر فضاء عمومي للنقاش الحر في المغرب.
إن صدور كتب، وإن كان بوتيرة محتشمة، تنتقد آداء الملكية في المغرب ألفها مغاربة، هو في حد ذاته أمر إيجابي يساهم في تأسيس ثقافة النقد والمساءلة. لكن التجارب التي صدرت حتى اليوم مازالت قليلة وغير قادرة على خلق نوع من التراكم المؤسس لهذا النوع من الثقافة. كما أن صدور أغلب هذه الكتب باللغة الفرنسية وخارج المغرب يجعلها موجهة للقارئ الأجنبي قبل المغربي. كما أن وجود مثل هذه الكتب اليوم لا يعني بالضرورة أن النظام المغربي تغير أو انفتح أكثر مما كان عليه في السابق، خاصة إذا ما عرفنا أن من يغامرون بركوب مثل هذه المخاطر في بلد تنعدم فيه ثقافة النقد الموجه للمؤسسة الملكية يخاطرون بمصالحهم ويعرضون أنفسهم لحملات التشويه غير الأخلاقية حتى لا يكونوا نموذجا لمن يفكر مستقبلا في أن يحذوا حذوهم.