اندلعت أزمة حقيقة بين المغرب والسويد على خلفية نية الحكومة السويدية تفعيل سابق التوصية التي صادق عليها البرلمان السويدي في دجنبر من سنة 2012، تدعو للاعتراف رسميا بالبوليساريو كدولة، وهي التوصية المقدمة آنذاك من نفس الحزب الحاكم حاليا، وهو ما خلق استنفارا وسط الأحزاب المغربية، المدعوة للتحرك لدى نظيرتها في السويد لعلها، تنجح في ثنيها عن ما تتجه إليه إرادتها.
ورغم الحماس الذي أبدته أغلبية فعاليات المجتمع من إعلاميين وباحثين وسياسيين ومجتمع مدني، فإن لغة وموضوع الخطاب لم يتعد دائرة التعبير عن الغضب، ولم يتطرق إلى صميم وجوهر خطة السويد، وجذورها، ودواعيها، وانعكاساتها،ومدى انسجامها وتطابقها مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وعمل آليات الأمم المتحدة، منها مجلس الأمن، التي تشرف على حل نزع الصحراء.
أولا: جذور اهتمام دولة السويد بنزاع الصحراء
يوجد اهتمام في السويد منذ مدة لنزاع الصحراء، لكن الاهتمام على مستوى الحكومة بشكل بارز بدأ مع فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بانتخابات شتنبر 2014، وتكوين حكومة ائتلاف تجمع القوى الديمقراطية وحزب اليسار والحفاظ على البيئة والحركة النسائية. وتزامن هذا مع خبو الأحزاب المغربية ذات التوجهات الاشتراكية في الأممية الاشتراكية، باختفاء وجوه لها وزن ثقيل في تلك المنظمة وتتمتع باحترام دولي مشهود به. وهو التراجع الذي استغلته البوليساريو لمقعد العضو الملاحظ في تلك المنظمة.
وعلاقة بموضوع المقالة، فان الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي نجح عام 2012، وفي ظل رئاسة الحزب الديمقراطي المحافظ للحكومة، في إقناع لجنة الخارجية بالبرلمان السويدي بالموافقة على عرض توصية للتصويت والمصادقة البرلمانية، تدعو رئاسة الحكومة للاعتراف رسميا بالبوليساريو كدولة. وهي المصادقة التي حظي بها المقترح في دجنبر من نفس السنة، وقد سارع المغرب في وقتها بواسطة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، للتدخل لدى حكومة لاحتواء الأمر، وقيل آنذاك أنه احتوى المشكل، و انتهى، ليأكد الآن أنه نار ملتهبة تحت رماد.
وفي صيف هذه السنة، وبمناسبة أيام دراسية صيفية، من تنظيم الشبيبة الاشتراكية السويدية، وبحضور شبان من لاجئي مخيمات تندوف، حضر بعض أعمالها رئيس الحكومة السويدية، ستيفن لوفين، حيث عبر عن دعم السويد لتقرير المصير. و سبق لوزيرة الخارجية السويدية مارغو فالستروم أن عبرت أن بلدها يتوفر على خطة لحل النزاع، و خلال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة كشفت السويد على جزء من تلك الخطة باشهارها عزمها الاعتراف الرسمي بالبوليساريو.
ثانيا: غايات وانعكاسات خطة السويد لحل نزاع الصحراء
1: هانس كوريل، هل أصل بداية الحكاية
ارتبط اسم السويد في نزاع الصحراء باسم هانس كوريل (Hans corell)، المستشار القانوني السابق للأمين العام في الشؤون القانونية، الذي سطع نجمه بمناسبة الرأي القانوني، الذي أدلى به لمجلس الأمن بتاريخ 29 فبراير 2002، وهو رأي و استشارة ذو علاقة باستغلال المغرب للثروات الطبيعية في أقاليم الصحراء.
وقد انبرى هانس كوريل فيما بعد، غذاة انتهاء تكليفه وتعاقده الأممي، إلى جانب كل من فرانك روبي الأمريكي، الذي وافاه الأجل المحتوم هذه السنة ونعاه البوليساريو، والإسباني كارلوس رويث ميغيل، للدفاع عن أطروحة البوليساريو، عبر اشتغالهم على قواعد القانون الدولي، وتأويلها بما يخدم مصلحة البوليساريو، وبشكل يظهرها صاحبة الحق، منها الحق في تقرير المصير، والاستفتاء والثروات الطبيعية وحقوق الانسان.
وقد استغل السويدي هانس كوريل صفته السابقة وعلاقته السابقة بملف الصحراء، إضافة إلى ما قد يكون نسجه من علاقات أثناء تكليفه من قبل مجلس الأمن، لتقديم الرأي القانوني، بخصوص تقدير طبيعة استغلال المغرب لثروات الأقاليم الجنوبية في الصحراء في نظر القانون الدولي، حيث خلص إلى ربط شرعيتها بإنفاق الناتج المادي في تنمية الإقليم وفي صالح استفادة سكانه، وهو في ذلك يعطي وصفا لتواجد المغرب في ذلك الإقليم، وكأن الأمر يتعلق “بالاحتلال والاستعمار”.
2: جوهر الخطوط العريضة للخطة
بعد وقوفنا على الاحتكاك المباشر للسويد في نزاع الصحراء، فإنه من الضروري ومن المفيد جداً التوقف عند ما تملكه دولة السويد من مفاتيح وخطة لديها، ويتحدث عنها ساستها وفقهاء القانون لديها لإنهاء نزاع الصحراء الذي امتد لأربعين سنة ونيف، لم تنفع معه الحرب ولا القانون ولا السياسة، وهنا أجد نفسي مضطرا للرجوع إلى ما يقترحه القاضي السويدي هانس كوريل من خطط وحلول؛
ذلكم أن القاضي هاني كوريل لم يبق وفيا لآرائه القانونية، إذ عمد، بعد انتهاء تكليفه مع الأمم المتحدة، إلى تقديم مقترحات إلى مجلس الأمن، أولاها تحويل بعثة المينورسو لتكون على غرار الإدارة الأممية الانتقالية في تيمور الشرقية ، وثانيها توجيه مجلس الأمن أمرا لإسبانيا لاسترجاع واجبها كقوة مديرة ومسؤولة في الصحراء أو اعتراف مجلس الأمن “بالصحراء الغربية” كدولة ذات سيادة.هذه الخطة، وبتعبير مبتكرها، ولئن تتلائم والقانون الدولي، فهي مقترحات متطرفة، مادام المقترح الأول والثاني يلازمهما حتما في الأخير تنظيم الاستفتاء. بينما المقترح الثالث، ودائما بنظر الفقيه هانس كوريل، فإن مشاكله أعوص لأنه مرتبط بالأمن وقد ينتج عنه دولة فاشلة وسيتسبب ذلك في قلاقل لدول الجوار، ويرى أن توفير الدعم والمساندة سينجح الحل: غايات وأهداف إشهار خطة السويد
قبل إجراء استفتاء 30 غشت 1999، وثانيها توجيه مجلس الأمن أمرا لإسبانيا لاسترجاع واجبها كقوة مديرة ومسؤولة في الصحراء وثالث المقترحات اعتراف مجلس الأمن “بالصحراء الغربية” كدولة ذات سيادة ، وهذه الخطة، وبتعبير مبتكرها هانس كوريل، ورغم انسجامها مع القانون الدولي ، فهي مقترحات متطرفة، لأن المقترح الأول والثاني يلازمهما ضرورة وحتمية عرضهما في الأخير الاستفتاء. بينما المقترح الثالث، ودائما بنظر الفقيه هانس كوريل، فإن مشاكله أعوص من المقرحين الأول والثاني ، لأنه لارتباطه بالأمن، وقد ينتج عنه دولة فاشلة، وسيتسبب بذلك في قلاقل لدول الجوار، ويرى أن توفير الدعم والمساندة الكبيرين سينجح الحل.
3_ غايات اشهار واعلان عزم السويد؟
ولأن السويد لا تملك من عضوية داخل مجلس الأمن، سواء كدائمة أو مؤقتة، على الأقل حاليا، لعرض أو تقديم لخطتها عليه، فإنها استغلت هامش تنظيم الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يحضرها قادة و رؤساء الدول أو من يمثلهم، ومن كل القارات، لإشهار نية اعترافها بالبوليساريو كدولة، وذلك تحقيقا لغايات ظاهرة تتمثل في جلب ولفت الانتباه والاهتمام الدوليين للنزاع وتحسيس المجموعة الدولية به، وإجراء ضغط وتأثير على مجلس الأمن والأمين العام ومبعوثه الشخصي للإسراع في الحل وفي ماهية الحل، الذي هو الاعتراف بالبوليساريو كدولة جديدة.
ناهيكم عن ما قد يخفيه هذا التكتيك السياسي من استراتيجيات ومنافع اقتصادية تبغي السويد قضاؤها لدى الجزائر او المغرب. فلها ريادة صناعية ودراية وتجربة وتقنية في ميدان التنقيب عن البترول والصيد البحري ، فأينما جنحت لها ماتبغي وتقضي. ففي الجزائر غاز وبترول ومجال للتنقيب، وفي المغرب معادن ومياه بحرية وعروض للتنقيب عن البترول.
4: انعكاسات ورقة حل السويد؟
من حيث المبدأ، فإن تصرف وسلوك السويد، ولئن يقره وينظر اليه المغرب، باعتباره عدوانيا لحرصه على سلامة ووحدة البلاد، فإنه سيادي في نظر السويد، فهي حرة أن تعترف بمن تشاء ما دامت لا تكترث ولا تقيم وزنا لنتائج فعلها. وبالمقابل فإن ما يواجه المغرب به ذلك القرار من تصرفات، أو أشكال التعبير عن احتجاجه، تعتبر بدورها قرارا سياديا مغربيا، ومع ذلك فمن حق المغرب أن يبحث عن أسباب ومسببات نية وتلويح السويد الاعتراف الرسمي بالبوليساريو. ومن يدري فقد تكون السريرة صادقة والنية سليمة، لكن الإرادة اعتراها عيب من عيوب الرضاء، من قبيل الوقوع في الخطأ أو التغرير أو التدليس ، وهنا جوهر وصميم عمل الدبلوماسية المغربية التي أظهرت عجزا في استباق الحلول للمشاكل قبل استفحالهاسبة.
وإن كان سوء النية هو القائم وسوء القصد هو الكائن، والإرادة غير معيبة، فإلى ماذا ترمي السويد من أهداف وخلفيات التلويح والإشهار لنيتها؟، لا شك أن لذلك، وبالإضافة إلى ما أثرناه في باب “غايات وأهداف إشهار خطة السويد”، فهي قد تكون تصبو إلى إحداث ضرر وأذًى غير قابل للترميم والإصلاح بموقف ومركز المغرب وإحراجه، وقد تكون بمثابة من يبحث عن زعامة وقيادة قافلة الدول الغربية للاعتراف بالبوليساريو.
ولأنها توفقت في اعترافها بدولة فلسطين، وهو تحصيل حاصل، مادامت الأمم المتحدة اعطت لَهَا ، صفة العضو، فإن في نيتها الاعتراف بالبوليساريو تحقيق غايتين اثنتين: الأولى الإيحاء بأن وضع الصحراء لا يختلف في شيء عن الوضع في فلسطين، والثاني إيجاد مبرر لها في مواجهة إسرائيل بكونها مع الشرعية الدولية. وهما طبعا وضعان لا يشبه ولا يتشابه ولا يشتبه أحدهما بالآخر.
ثالثا: تقدير ورقة السويد من وجهة نظر القانون الدولي
يعتبر اعلان السويد نيتها الاعتراف بالبوليساريو من جانب واحد كدولة، خروجا عن المقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وعن إعلان مبادئ القانون الدولي، المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، الذي يحث على واجب تنمية وتعزيز التعاون الدولي فيما بين الدول، وليس مع مجموعات أو جماعات انفصالية.
علاوة على ذلك، فان ما تنوي الحكومة السويدية الإقدام عليه يشكل نشازا واستثناء وخروجا عن الموقف الجماعي للاتحاد الأوروبي، الداعم للتسوية السياسية السلمية التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة ولقراراتها ذات الصلة، والتي حدد إطارها مجلس الأمن منذ سنوات، في البحث عن حل سياسي متفق ومتوافق عليه.
وقد تجد السويد نفسها، ان نفذت تلويحها، في مركز من اتخذ موقفا مسبقا الى جانب طرف البوليساريو، و خرجت عن مبدأ الحياد، ولا تصلح للمرافعة في تقديم المقترحات ولا التوصيات، ولا يبقى لها من حق في المشاركة والمساهمة في صناعة الحل، كما أنها بقرارها هذا وبإعلانه تحاول التأثير في عمل مجلس الأمن والضغط على الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، في محاولة منها لتغيير جوهر وطبيعة الحل السياسي الذي تبحث عنه الأمم المتحدة مع الأطراف.
و ستضع السويد نفسها في مأزق حقيقي بخرقها لميثاق الأمم المتحدة بتدخلها في عمل تشرف عليه وترعاه الهيئة الأممية وتباشره منذ مدة، كما أنها بتصرفها تكون في موقف من يشجع على المس بسلامة أقاليم وسيادة دولة المغرب، العضو النشيط في الأمم المتحدة، التي تساهم وتنخرط مع المجموعة الدولية في استتباب الأمن والسلم العالميين وتعزيزهما.
وسيمتد خطأ السويد إلى انتهاك الاعراف الدولية في مجال العلاقات الدولية، لأن الاعتراف الدولي كركن رابع لقيام الدول، لا يأتي إلا بعد استجماع كيان دولي لثلاثة أركان أساسية،؛وهي الإقليم والسلطة السياسية والشعب، فلا وجود لدى البوليساريو للإقليم ورقعة ترابية، ولا وجود لشعب، بل لاجئين تحت مسؤولية قانونية لدولة اقليم الاستضافة، وهي دولة الجزائر، وهذا الوضع لا يعطي الصفة ولا الشرعية لقيام، ولا ادعاء اية سلطة سياسية، ولا تمثيلية.
ولذلك، فدولة السويد، بهكذا موقف، لا تنتهك فقط ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، المتصل بالعلاقات الودية وتعزيز التعاون بين الدول، بل إن خرقها يطال ويمتد إلى ضرب الأعراف الدولية، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة اتفاقية اللجوء 1951، التي لا تعطي صفة شعب للاجئين، وأكثر من ذلك فهي تهدد سلامة وسيادة المملكة المغربية والمنطقة ككل، وتعرض السلم والأمن العالميين للخطر، وهما التزامان دوليان تجب النظر اليهما ومراعاتهما بالأولوية.
رابعا: سبل معالجة الأزمة وتفادي الأسوأ
نعم للحماس، نعم للغيرة الوطنية، نعم لإظهار الإجماع الوطني! نعم لحب الوطن! لكن لا للتهور. ونعم للتعقل ونعم للرصانة والرزانة ولا للغباء، نعم للنوع ولا للكم، نعم للأنجع والأجدى. ونعم للحوار وللمرافعة الدالة المقنعة، ولا لأشكال احتجاجية بالمقاطعة، ونكون ضحية المقاطعة المضادة، لا لفقدان حبل التواصل مع السويد، ونكون فيما بعد في حاجة لوسيط معها، لا لرد فعل غير محسوب يعزلنا عن عالم ما أحوجنا إليه، نعم للدبلوماسية الذكية ولا للدبلوماسية العقيمة وغير المنتجة.