نجحت إسرائيل في اختراق الأنظمة الملكية في الخليج العربي باستثناء قطر والكويت، لكنها في المقابل تجد سداً منيعاً في منطقة المغرب العربي رغم رهانها على قلة من الصحافيين والمثقفين الفرانكفونيين وبعض نشطاء القلائا جدا من الحركة الأمازيغية.
ولم تعد علاقات إسرائيل بأنظمة الخليج خافية، فقد تزعمت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين الترويج لصفقة القرن والاستعداد لتمويلها مالياً والضغط على الفلسطينيين لقبول الصفقة. وانخرط مثقفون، لا يشكلون الأغلبية، في الترويج لإيجابيات التعاون مع إسرائيل. وأصبح كل سياسي أو ناشط أو مثقف يجاهر بموقفه الرافض لإسرائيل في الإمارات والسعودية يتعرض للاعتقال.
وكانت إسرائيل تعتقد أن اختراق الرأي العام في الخليج هو مهمة صعبة بسبب الطابع المحافظ للساكنة، لكن الأنظمة هي التي نابت وتنوب عن تل أبيب في هذه المهمة بقمع الأصوات الحرة، مما يجعل الموساد سعيداً. وفي المقابل، كان الموساد يعتقد في سهولة اختراق منطقة المغرب العربي-الأمازيغي، لا سيما بعد الربيع العربي بحكم وجود حرية تعبير وأساساً في القضايا الدولية علاوة على نسبة اليهود المغاربة في إسرائيل التي تتعدى 20 في المئة من الساكنة. وعلاقة بهذا، لا تتبنى الشعوب عادة موقف الأنظمة، وخير مثال المغرب، إذ يدافع جزء كبير من الرأي العام عن قضايا ومواقف مختلفة، فقد راهن القصر مثلاً على فوز نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية التي واجهته مع فرانسوا هولند، لكن الرأي العام في معظمه كان مؤيداً للرئيس الاشتراكي.
ويمكن رصد أمثلة بارزة من دول المغرب العربي الأربع في ظل غياب ليبيا نتيجة الحرب الأهلية التي تعيشها. في هذا الصدد، فقد صادق البرلمان التونسي على قرار يدين صفقة القرن واعتبرها غير ملزمة. واتخذت الدولة الجزائرية موقفاً صارماً برفضها صفقة القرن من دون تردد رغم محاولات الإمارات إقناع الجزائر بالتريث وعدم الجهر بمعارضة قوية. أما في المغرب، حيث يفترض وجود ضبابية، لا سيما بعدما طرح وزير الخارجية، ناصر بوريطة، مؤشرات على ربط الصحراء بقضية فلسطين وأعلن التريث في دراسة صفقة القرن، فقد انتفض الرأي العام ضد المقارنة ووصل الأمر بسفير سابق الكاتب عبد القادر الشاوي إلى القول للوزير: «إلى جهنم بأطروحتك هذه». وينتظر أن تسجل الرباط أكبر تظاهرة في العالم ضد صفقة القرن، فقد اعتادت العاصمة أو الدار البيضاء احتضان أكبر التظاهرات لصالح القضية الفلسطينية في العالم. ومن أبرز المؤشرات هو مشاركة رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، نفسه في التظاهرة يوم غد الأحد بعدما دعا عبر موقعه في «الفيسبوك» إلى التظاهرة.
ولا يقل موقف الرأي العام الموريتاني جرأة في رفض صفقة القرن مقارنة مع نظرائه في باقي دول المنطقة، حيث خرج موريتانيون للتنديد وتظاهروا أمام السفارة الأمريكية. وتأتي صفقة القرن لتؤكد فشل الموساد والدبلوماسية الإسرائيلية في اختراق الرأي العام في منطقة المغرب العربي-الأمازيغي، رغم وجود مؤشرات سابقة على نوع من النجاح لم تكن سوى سراب. واعتمدت الموساد والدبلوماسية على استراتيجية مزدوجة وهي: محاولة كسب ود أقلام صحافية، ومحاولة التسرب إلى الحركة الأمازيغية، لا سيما تلك الأصوات المعادية لكل ما هو عربي.
وعموماً، تبقى أغلب زيارات الصحافيين إلى إسرائيل من باب الفضول الإعلامي والمهنية ومعرفة الآخر دون التعاطف معه أو تبني أطروحته، باستثناء قلة قليلة لا تأثير لها. في الوقت ذاته، لم تنجح إسرائيل في استقطاب سوى أصوات محدودة من الحقل الأمازيغي رافضة لكل ما هو عربي والآن تلتقي مع الإمارات والسعودية في محاباة إسرائيل. إذ إن الحركة الأمازيغية المغاربية الرافضة لهيمنة الثقافة العربية أو التسمية تعتبر إسرائيل دولة احتلال، وأن هناك فرقاً بين الدفاع عن الهوية الأمازيغية وتبني مواقف ضد القانون الدولي.
«صفقة القرن» تؤكد فشل الموساد الإسرائيلي في اختراق الرأي العام في المغرب العربي/الأمازيغي
من تظاهرات الرباط