قررت الدولة المغربية يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2013 سحب سفيرها من الجزائر للتشاور، وهو ما يعني في القاموس الدبلوماسي وجود أزمة حقيقية بين البلدين، وفي هذه الحالة احتجاج قوي من الرباط على الجار الشرقي. و قرار سحب السفير لا يعتبر في الواقع ردا ينحصر على رسالة عبد العزيز بوتفليقة وحدها بقدر ما هو احتجاج على مجمل الاستراتيجية الإفريقية التي نهجتها الجزائر خلال السنة الأخيرة من التضييق على المغرب في ملف الصحراء المغربية عبر توظيف الاتحاد الافريقي للتصنيف المغرب وكأنه نظام أبرتهايد جديد.
وعملت الجزائر على إقامة محور دبلوماسي رباعي قوي وسط الاتحاد الإفريقي مكون منها في شمال إفريقيا ومن نيجيريا وسط القارة وجنوب إفريقيا في جنوبها ومن كينيا في شرقها. وتراهن الجزائر على توظيف الاتحاد الإفريقي في الصراع القائم حول الصحراء، وهنا تلتقي مع رغبة وطموحات بعض الدول مثل جنوب إفريقيا التي ترغب في لعب دور في نزاعات القارة السمراء.
ومنذ سبتمبر الماضي الى وقتنا الراهن، جرى تسجيل منعطفين خطيرين بشأن ملف الصحراء يتجاوزان بكثير رسالة بوتفليقة وإن كانت هذه الرسالة مرتبطة بالمنعطف الثاني. والمنعطف الأول على مستوى الأمم المتحدة والثاني يتعلق بمؤتمر التضامن في عاصمة نيجيريا أبوجا.
وعلاقة بالمنعطف الأول، شهدت أشغال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال انعقادها في نيويورك ما بين الأسبوع الأخير من سبتمبر والأول من أكتوبر 2013 تدخلات غير ودية بل قاسية في حق المغرب بشأن نزاع الصحراء. إذ لأول مرة، تم رصد تنسيق حقيقي بين الدول الإفريقية الأنجلوسكسونية في تبني موقف قوي تجاه المغرب، كما أنه لأول مرة يخصص رؤساء دول إفريقية حيزا مهما للصحراء في خطاباتهم بشكل لم يسبق له مثيل من قبل في أي أشغال للجمعية العامة بما في ذلك إبان الحرب الباردة عندما كان نزاع الصحراء من عناوينه.
وعالجت ألف بوست في مقال لها يوم 3 أكتوبر بعنوان “الصحراء في أشغال الأمم المتحدة: جنوب إفريقيا تتزعم دول محيطها الإقليمي لصالح تقرير المصير وضد مصالح المغرب”، حيث ألقت الضوء على هذا التطور التي وصفته بالمقلق للغاية.
والمنعطف الثاني يتجلى في “ندوة أبوجا” وهو مؤتمر التضامن مع جبهة البوليساريو في عاصمة نيجيريا ما بين الاثنين والأربعاء من الأسبوع الجاري لتوحيد المواقف قاريا ونهج استراتيجية لمحاصرة المغرب. والندوة لا تعتبر مجرد لقاء جمعيات حقوقية وغير حكومية بل هي ندوة من تنظيم دول، ولهذا وجه الرئيس الجزائري بوتفليقة الى المشاركين رسالة ذات مضمون قوي ضد مصالح المغرب، يعتبر المغرب قوة استعمارية، ويعتبر مقترح الحكم الذاتي بدون الإشارة إليه مباشرة تكريسا “لواقع استعماري”. ويحث على ضرورة تولي الأمم المتحدة مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ولا يرى بديلا عن استفتاء تقرير المصير.
ندوة أبوجا التي تقف الجزائر وراء تنظيمها رفقة جنوب إفريقيا ونيجيريا انتهت بمقترحات عملية لا يمكن الاستهانة بها بل تدعو لقلق حقيقي لاسيما في ظل التطورات التي يشهدها المنتظم الدولي. ومن المقترحات المقلقة للمغرب والتي صادقت عليها ندوة أبوجا بشكل مباشر أو غير مباشر:
-العمل من أجل عزل المغرب بسبب ما يعتبره المشاركون “استعمارا للصحراء الغربية” وتحويله الى ما يشبه نظام الأبرتهايد من خلال المناداة بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية.
-التنديد ب فرنسا بسبب دعمها للمغرب وحيلولتها دون تطبيق استفتاء تقرير المصير.
-التنسيق بين مختلف حركات دعم البوليساريو في إفريقيا لإنشاء “حركة تضامن إفريقية” كبرى تنسق مع باقي حركات التضامن والجمعيات في العالم ومنها أوروبا وأمريكا.
والتساؤل هنا: لماذا هذه المقترحات علاوة على أخرى تعتبر مقلقة للغاية؟ توجد تجارب تعود الى الأمس القريب تكشف نجاح البوليساريو بدعم من الجزائر في التأثير في مؤسسات دولية لتبني مواقف ضد المغرب. وعلى رأس هذه المؤسسات البرلمان الأوروبي الذي يخلق متاعب لم تكن منتظرة للمغرب منها إلغاء اتفاقية الصيد البحري وإصدار تقارير تشجب المغرب حقوقيا في الصحراء.
وتتجلى خطورة الندوة في أنها تدعم الاستراتيجية الرامية الى جعل الاتحاد الإفريقي مخاطبا رئيسيا في البحث عن حل لنزاع الصحراء، لاسيما وأن الأمم المتحدة تعزز من استشاراتها مع الاتحادات الإقليمية. وفي الوقت ذاته، أصبحت التجمعات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة تخاطب الاتحاد الإفريقي في القضايا الدولية والإقليمية. وإذا علمنا أن ملف الصحراء أصبح يحتل مكانة مهمة في أجندة الاتحاد الإفريقي، وأن التيار المسيطر هو الدول الإفريقية الأنجلوسكسونية هي المسيطرة في ظل تراجع الدول الإفريقية الفرنكفونية ، وقتها يمكن إدراك خطورة التطورات الجارية على مصالح المغرب في ملف الصحراء على المستوى الإفريقي ومنها ندوة أبوجا التي دعمتها الجزائر وتعتبر سالة بوتفليقة من عناوينها البارزة.
مقال ألف بوست يوم 3 أكتوبر