تطفو بين الحين والآخر أخبار في الساحة الدولية وتلقى اهتماما كبيرا، رغم أنها أخبار وفق معايير الواقع تعد ساذجة وصعبة التحقق، وتبرز مدى ضعف المحللين في الإعلام بسبب تصديقها والترويج لها. ولعل أبرز هذه الأخبار هو ما يعرف مؤخرا بالناتو العربي، وكذلك بتسهيل منح الولايات المتحدة التكنولوجيا النووية إلى العربية السعودية.
في إطار مواجهة إيران وتمددها في العالم العربي، يجري الحديث عن ناتو عربي بزعامة العربية السعودية، وبدعم من الولايات المتحدة. وانتشرت الأخبار التي تروج لهذه الرواية، خاصة بعدما احتضنت الرياض قمة عسكرية لوزراء الدفاع ورئاسة الأركان العربية والإسلامية، والأخبار والقمم شيء والواقع شيء آخر.
تاريخيا، لا يمكن تحقيق أي تحالف عسكري في غياب الرؤية السياسية الموحدة القائمة على الاشتراك في المخاطر والمصير الموحد. وقد أقدمت الدول الغربية على تشكيل منظمة شمال الحلف الأطلسي بعد الحرب العالمية الثانية، خوفا من الهيمنة الشيوعية على القارة الأوروبية، واعتمدت على الوحدة السياسية التي أرست قواعد تكتل الغرب. ويحاول جزء من هذا الغرب، وهو الاتحاد الأوروبي، الذي يشترك أعضاؤه في الاقتصاد والسياسة وملفات أخرى، تشكيل وحدة عسكرية، ولكنه فشل حتى وقتنا الراهن. وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد فشل رغم كل الإمكانيات المالية والسياسية وأساسا العسكرية، فكيف سينجح الناتو العربي؟
الناتو العربي فكرة ساذجة للغاية لأسباب متعددة. في المقام الأول، لا توجد وحدة سياسية بين الدول العربية، فالأداة التي كانت توحد نظريا هذه الشعوب هي الجامعة العربية، التي لم ترق نهائيا الى كيان على شاكلة الاتحاد الأوروبي. في المقام الثاني، كل دولة عربية تمتلك تصورا للمخاطر التي تهددها، في الماضي، كان هناك إجماع على اعتبار إسرائيل هي مصدر الخطر، بينما في الوقت الراهن، تعتبر السعودية إسرائيل حليفا، بينما ترى قطر في السعودية والإمارات الخطر المحدق بها وليس إيران. واعتبر الكثير من الدول الخليجية العراق، بعد سنة 2003، ثم سوريا خلال الربيع العربي مصدر الخطر. وفي منطقة شمال إفريقيا، تعتبر الجزائر المغرب هو العدو، والعكس صحيح، ويكفي رؤية سباق التسلح بينهما. في المقام الثالث، الجيوش العربية لا تملك تجربة الوحدة، ولا هي بالجيوش المؤهلة لخوض حروب، فهي تفتقر للوجستيك النقل، كما تفتقد للتدريبات والمناورات، رغم محاولة السعودية إجراء مناورات عربية وإسلامية، كما تفتقد للتسليح الجيد، رغم الصفقات الضخمة التي يجري الحديث عنها في الإعلام، إذ من الصعب على دول لا تصنع أسلحتها التفكير في اتحاد عسكري. وأخيرا، تبقى المهمة الرئيسية للجيوش العربية في الوقت الراهن هي أدوات لقمع أي انتفاضة من أجل الديمقراطية، أكثر منها أدوات للدفاع عن حوزة وشرف شعوبها ووحدة ترابها.
وفي خبر آخر مثير، جرى تسريب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتسهيل منح التكنولوجيا النووية إلى العربية السعودية، ويبقى الخبر مبهم للغاية. على ضوء التاريخ والواقع الجيوسياسي، يفتقر هذا الخبر للكثير من المصداقية، أولا لا يمتلك الرئيس الأمريكي الحرية المطلقة للمصادقة على صفقات أسلحة كلاسيكية، فكيف له بالحرية في تسهيل منح صفقة تعد منعطفا حقيقيا وهي التكنولوجيا النووية. منذ وصول ترامب الى السلطة جرى الحديث عن صفقات أسلحة ضخمة للسعودية فاقت 400 مليار دولار، والتساؤل: هل تسلمت السعودية أسلحة متطورة خلال السنتين الأخيرتين؟ أم هل يرتقب توصلها بأسلحة متطورة خلال السنة الجارية والمقبلة؟ الجواب لا. في الوقت ذاته، قرار تسهيل منح التكنولوجيا النووية إلى بلد من العالم الثالث، خاصة إذا كان بلدا عربيا وإسلاميا، لا يقتصر على الرئيس أو الإدارة الأمريكية والولايات المتحدة، بل هو قرار يهم الغرب، أو على الأقل العواصم الكبرى برمتها. لا يمكن لواشنطن الإقدام على خطوة مماثلة، من دون استشارة باريس ولندن وبرلين وروما. لقد حاولت فرنسا خلال العقد الماضي تقديم جزء من الطاقة النووية السلمية، أو ذات الاستعمال المدني الى بعض الدول ومنها المغرب، وتراجعت بعد اعتراض كل من لندن وبرلين وواشنطن ومدريد. وعندما صادق الغرب على منح التكنولوجيا النووية الى إسرائيل، كان بهدف منحها سلاحا رادعا ضد جيرانها العرب.
الدول الغربية تحرص على بيع أسلحة غير متقدمة إلى العالم العربي، فمثلا: الطائرات ف 16 أ 16 التي تبيعها واشنطن الى دول عربية، نسخة رخيصة من المقاتلات الحقيقية التي يستعملها الجيش الأمريكي. وعليه، كيف ستقدم لها تكنولوجيا نووية؟ المال يسمح للعرب بالحصول على سيارات الفيراري ولمبورغيني، أو شراء ناد لكرة القدم لكن لا يمنحهم جواز شراء سلاح متطور أو تكنولوجيا متطورة.
يبدو أن الكثيرين يتناسون تورط إسرائيل والغرب في اغتيال عدد من علماء الذرة العرب، حتى لا يفيدوا بلدانهم، فكيف سيتم تفويت هذه التكنولوجيا إذن؟ الغرب مصمم على عدم تكرار سيناريو باكستان التي نجحت بدهاء وسرية في الحصول على السلاح النووي. هناك قرار في الغرب وتدعمه حتى روسيا: لن تحصل دولة عربية وإسلامية جديدة على التكنولوجيا النووية أو السلاح النووي، فالأمر لا يتعلق بترامب، بل الأمر يتعلق بقرار له انعكاسات على العقود الزمنية الطويلة المقبلة، ولهذا يجري الضغط على إيران لمنعها ليس فقط لتطوير التكنولوجيا النووية ذات الاستعمال السلمي، بل حتى تطوير الصواريخ الباليستية التي لا تحمل رؤوسا نووية. الحصول على التكنولوجيا النووية السلمية هو مدخل نحو السلاح النووي، وهذا الأخير هو مدخل نحو استقلالية القرار السياسي والاقتصادي والتموقع القوي في الخريطة الدولية. لهذا، لا ترامب ولا غيره سيتخذ قرارا ذا بعد استراتيجي تاريخي بكل ما تحمله هذه المصطلحات من حمولة.