للمرة الثالثة، قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بجولة إفريقية شملت بعض الدول منها كينيا مسقط رأسه علاوة على الاتحاد الإفريقي. وهذه الجولة تعتبر تكريما لبعض الدول السائرة في طريق الديمقراطية، وللمرة الثالثة قام أوباما بتهميش منطقة المغرب العربي التي لم يزرها اي رئيس أمريكي منذ عقود، وضمن هذا التهميش يأتي تهميش المغرب الذي تربطه علاقات تاريخية بواشنطن.
وزيارة باراك أوباما للقارة الإفريقية هي الثالثة من نوعها منذ وصوله الى البيت الأبيض، ولم يسبق لأي رئيس أمريكي سابق له أن قام بثلاث جولات الى القارة السمراء. وهذه الزيارة تبرز الأهمية التي تحتلها القارة في الأجندة الأمريكية،حيث أعلن البيت الأبيض في مناسبات متعددة عن رغبته في تعزيز العلاقات مع دول القارة، وفي الوقت ذاته، أعرب عن قلقه من اهتمام قوى مبرى مثل روسيا والصين بإفريقيا. ولا يقتصر الأمر فقط على دول كبرى بل دول صاعدة وإقليمية مثل البرازيل والهند وتركيا.
وتختلف استراتيجية كل دولة كبرى تجاه إفريقيا، وتقوم استراتيجية البيت الأبيض على تشجيع حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والتبادل التجاري استقبال مهاجرين أفارقة، وهي أبرز مضامين خطابات وتصريحات باراك أوباما في جولته الأخيرة والسابقة، عكس روسيا والصين التي تقتصر فقط على المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي دون أجندة حقوقية وسياسية.
وتشير مختلف الدراسات الى الدور الهام للقارة السمراء في الساحة الدولية حاليا وسيزداد مع مرور الوقت. لكن دون دور حاسم كما تشير بعض الدراسات الاستراتيجية المبالغ فيها، فقوة إفريقيا تمكن في مواردها الطبيعية ومدى نجاحها في التصويت بشكل جماعي على قضايا دولية في الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى لتشكل قوة حقيقية في العلاقات الدولية. وهي بصدد بلورة هذه الاستراتيجية بعدما نجحت نسبيا في تجاوز عقدة الصراع بين إفريقيا الفرنكفونية والأنجلوسكسونية الذي كانت تغذيه باريس ولندن، القوتين الاستعمارتين سابقا في القارة.
وعالجت وسائل الاعلام وكذلك مراكز التفكير الاستراتيجي زيارة أوباما للقارة السمراء، مقدمة قراءات متعددة حول الصراع بين القوى الكبرى ومستقبله. ويبقى الجانب الذي لم يحظى بالاهتمام نهائيا هو تهميش البيت الأبيض لمنطقة المغرب العربي وأساسا المغرب والجزائر وتونس وخلال الزيارات الثلاث لهذا الرئيس الى القارة السمراء.
وتختلف القراءات لهذا التهميش، حيث تبدو القراءات والتأويلات السهلة هي التي تشير الى تصنيف البيت الأبيض سياسيا لدول المغرب العربي ضمن العالم العربي وليس القارة السمراء رغم وقوعها جغرافيا في إفريقيا. وعمليا، فهذا التأويل القائم على التصنيف لا يصمد كثيرا أمام معطيات التاريخ، فلم يزر أي رئيس أمريكي منطقة المغرب العربي إلا مرة واحدة ولدولة واحدة وهي المغرب، ويتعلق الأمر بالرئيس إيزنهاور في أواخر الخمسينات.
وهناك أسباب تجعل العلاقات بين البيت الأبيض ودول المغرب العربي باردة للغاية وتفتقد للعمق الاستراتيجي رغم ترويج بعض وسائل الاعلام والسياسيين في المنطقة لمتانة العلاقات مع واشنطن.
وعلاقة بتونس، راج في العاصمة واشنطن احتمال زيارة باراك أوباما لتونس تكريما لها على نهجها الديمقراطي بعد اندلاع الربيع العربي. وكان أوباما قد استشهد ثلاث مرات في خطاباته وتصريحاته بمحمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه وكان شرار لاانتفاضات من أجل الديمقراطية وحيا التجربة التونسية. ولكن الظروف الأمنية التي تمر منها البلاد بعد الاعتداءات الإرهابية الأخيرة حالت دون ذلك. كما لا يمكن سياسيا زيارة الرئيس الأمريكي لتونس وتهميش المغرب والجزائر.
وفيما يخص الجزائز، ورغم التبادل التجاري والاقتصادي والتنسيق الأمني المتعاظم في محاربة الارهاب إلا أن البيت الأبيض لا يستطيع زيارة هذا البلد المغاربي لسببين رئيسيين، الأول ويتجلى في رئاسة عبد العزيز بوتفليقة الذي تقدم لمرة الرابعة الى الرئاسة في عمل أشبه بالتشبت مدى الحياة بكرسي الحكم وعلى حساب الدستور. وكان باراك أوباما قد انتقد في خطابه أمام الاتحاد الإفريقي خلال جولته الأخيرة تشبث بعض الرؤساء بالسلطة على حساب الديمقراطية.
وتبقى المفارقة الحقيقية في جولة أوباما هو تهميشه للمغرب رغم رمزية العلاقات تاريخيا. فهذا الأخير هو أول بلد اعترف بالولايات المتحدة في القرن الثامن عشر عندما استقلت عن بريطانيا.، كما فتحت الولايات المتحدة أول تمثيلية دبلوماسية لها في الخارج في مدينة طنجة المغربية، وتقدم الرباط تسهيلات عسكرية للبنتاغون ووقعت اتفاقية التجارة الحرة وانخرطت بشكل حماسي في المخططات الأمريكية لمكافحة الإرهاب . لكن العلاقات بين الرباط وواشنطن فقدت خلال السنوات الأخيرة فقدت طابعها الاستراتيجي. وتحفظت واشنطن على المغرب في ملف حقوق الإنسان وأساسا الصحراء الغربية، حيث اتخذت مواقف منها التقدم خلال أبريل 2013 بمقترح لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية أثارت احتجاجا قويا من طرف الرباط. ولا يمكن لرئيس أمريكي زيارة المغرب في غياب حل لنزاع الصحراء الغربية.
واعتمادا على تقارير حقوق الإنسان والحريات العامة وحرية الصحافة وشفافية الانتخابات ومستوى الديمقراطية، فالكثير من دول إفريقيا قد تجاوزت منطقة المغرب العربي، فدولة مثل السنغال والنيجر وغانا تحتل مراتب مشرفة في هذه المجالات وتستحق تمثيلية حلم إفريقيا الغد، وهو ما تراه واشنطن.
ويأتي تهميش أوباما للمغرب العربي في جولاته الإفريقية ومنها الأخيرة كتنبيه لدول المنطقة لفقدانها الوزن الاستراتيجي لدى البيت الأبيض والساحة الدولية، فلا هي بمتزعمة دول إفريقيا ولا تحصل على مكانة لها في العالم العربي.