عاصفة الحزم: بعد فشل السعودية في اليمن…روسيا قد تكون الجسر نحو الحل في ظل انشغال واشنطن بملفات أخرى

الرئيس الروسي فلادمير بوتين مستقبلا وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز

تضع عاصفة الحزم الدول العربية الملكية المشكلة لها في موقف حرج للغاية وأساسا العربية السعودية المتزعمة للحملة بسبب انسداد الأفق السياسي وفشل الحل العسكري في الوقت الراهن. وأصبحت عاصفة الحزم عبئا على السعودية بسبب عدم إحراز نجاح يذكر، الأمر الذي يجعل الرياض تبحث عن حلول بمشاركة دولية ومنها روسيا خاصة وأن هذه الحرب بدأت تزيد من فشل اليمن كدولة مما سيجعلها خطرا على المنتظم الدولي.

وتبدو عاصفة الحزم من أغرب الحروب في العالم العربي، فهي الحرب التي أعلنتها الدول السنية وعلى رأسها ائتلاف الأنظمة الملكية باستثناء سلطنة عمان دون وجود أجندة واضحة الأهداف على المدى القريب والمتوسط والبعيد باستثناء محاولة الحد من النفوذ الإيراني عبر كسر أجنحة حركة الحوثيين أو أنصار الله. لكن الحرب تصل شهرها الثالث وهي تواجه صعوبات كبيرة للغاية في ظل غياب رؤية واضحة. ومن الصعوبات في حرب اليمن التي تؤثر على التحالف الملكي بقيادة السعودية، نذكر منها:

في المقام الأول، غياب تبرير سياسي قوي لشن الحرب، فدول عاصفة الحزم اعتمدت مقولة “إعادة الشرعية” الممثلة في رئاسة ضعيفة لمحمد عبد ربه منصور هادي في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات سياسية حقيقية.

في المقام الثاني، روج سياسيون ووسائل إعلام محسوبة على “عاصفة الحزم” لأطروحة مواجهة المد الشيعي في جزيرة العرب وإبعاد الحوثيين عن إيران. لكن ما حصل هو استغلال إيران للحرب ليصبح نفوذها أكثر من قبل في اليمن وتحولت الى أكبر المدافعين عن حركة الحوثيين والجيش اليمني. وتحرك بعض السلفيين للدفاع عن الحرب بينما يتجاهل باقي العرب وأساسا الليبراليين واليساريين الحرب.

في المقام الثالث، لم تنجح الحرب حتى الآن في إضعاف غالبية الجيش اليمني التي تقف مع الرئيس المخلوع عبد الله صالح وقوات الحوثيين. فرغم الترسانة الكبيرة للدول الملكية الخليجية، تستمر القوات الحوثية وعبد الله صالح في السيطرة على أغلبية اليمن بل ويحدث اختراق للعمق السعودي في النجران وجازان من طرف هذه القوات. وهذا يجعل أكثر من مراقب يتساءل عن جدوى سياسة التسلح التي اعتمدتها الدول الخليجية واستثمرت خلال العقد الأخير أكثر من مائة مليار دولار وفشلت في مواجهة جيش متوسط مثل اليمن وقوات حوثية لم تستثمر إلا النزر القليل فما بالك إذا حدثت مواجهة مع دولة إقليمية كبرى. ويجب استحضار عقيدة القتال الحماسية والقوية لدى اليمنيين، وهو عامل مأثر للغاية.

في المقام الرابع، ارتكبت عاصفة الحزم خطئا كبيرا بضرب البنية التحتية لليمن من مدارس وجسور ومؤسسات بدعوى مرابطة المقاتلين وتخزين السلاح فيها. وترتب عن هذه السياسة الحربية شعور اليمنيين بتعرضهم للاحتقار من طرف الجيران، يضاف الى الشعور بالاحتقار سابقا بعدم إدماج مجلس التعاون الخليجي لليمن في حظيرته. وذها سيزيد من الحاجز النفسي بين اليمنيين وباقي الخليج، وسيكون سببا في نزاعات مستقبلية.

في المقام الخامس، أصيبت السعودية بخيبة أمل في من اعتبرتهم حلفاء. فقد رفضت دول من حجم باكستان إرسال قوات برية، وتتردد مصر، بينما تطوعت دول هامشية مثل السنغال الى إرسال جنود أملا في الحصول على تعويضات مالية.

في المقام السادس، انسداد الأفق السياسي بعد فشل مفاوضات السلام في جنيف مؤخرا التي ترعاها الأمم المتحدة. ويتزامن هذا مع تجنب الدول الغربية الكبرى المشاركة في البحث السياسي. فدورها يكتفي حتى الآن في تقديم الدعم العسكري للسعودية وأساسا تزويدها بصواريخ وقنابل الطائرات وتحديد الأهداف بالأقمار الاصطناعية، علما أن غالبية الأهداف جرى تدميرها بينما نجح الحوثيون في إخفاء الكثير من الأسلحة وعلى رأسها الصواريخ التي تقلق الرياض.

وبعدما تبين أن حرب اليمن ليست نزهة مناوشات بل حربا مفتوحة زمنيا مع احتمال مواجهات برية واسعة لا تضمن عاصفة الحزم الفوز فيها، يجري البحث عن الحل السياسي. وعموما، هناك إشكالية عويصة للحل، فمن جهة يطالب اليمنيون السعودية باعتذار عن شن الحرب وتعويضات عن الأضرار المادية، ومن جهة، لا ترغب السعودية في تقديم اعتذار وترغب في المقابل في تعهد إيران الانسحاب من اليمن. وتوجد السعودية أكثر من اليمن في موقف صعب للغاية، فوقف الحرب بدون تحقيق أي هدف من الأهداف المعنلة سيفقدها هيبة القوة الاقليمية التي تبحث عنها، وستكون هناك انعكاسات خطيرة على سمعتها.

ولا يخفي البيت الأبيض تحفظه على هذه الحرب، فالأمريكيون يعتبرون عاصفة الحزم تزيد من إضعاف بنيات الدولة في اليمن وعرضة لمزيد من تفشي الإرهاب وستجعله يتحول الى دولة فاشلة سنة 2016 إذا استمرت الحرب. بل وقد تنتقل الحرب الى الأراضي السعودية. وتنشغل الولايات المتحدة بتطورات استراتيجية أكبر لمصالحها بدأت تجعل من الخليج العربي نقطة هامشية في أجندتها، ومنها عودة التوتر مع روسيا في حدود أوروبا الشرقية بسبب الملف الأوكراني الذي توليه واشنطن اهتماما بالغا الى مستوى إرسال قوات عسكرية بمعدات ثقيلة الى دول البلطيق وبولونيا.

وتدرك دبلوماسية الرياض أنه في ظل تهميش البيت الأبيض للملف اليمني باستثناء محاربة الإرهاب، أصبح الحل ربما يمر عبر روسيا أساسا. وهذا هو الذي دفع وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد محمد بن سلمان الى زيارة موسكو هذه الأيام. والحديث عن الحل السياسي. وتحمل الزيارة مفارقة كبرى، فخلال نهاية مارس/آذار الماضي، هاجم وزير الخارجية السابق سعود الفيصل روسيا بسبب الملف اليمني والسوري، والآن أصبح الكرملين الجسر المفترض نحو الحل عبر زيارة وزير الدفاع السعودي.

وتبقى روسيا الدولة الوحيدة القادرة على التأثير على كل من إيران والقوات الحوتية بل الدولة المرشحة لإيجاد توازن بين مصالح العربية السعودية وإيران في الشرق الأوسط. ولا يمكن فصل العقود الضخمة المرتقبة بين روسيا والسعودية، ومنها في المجال النووي، عن ترتيبات جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط منها إيجاد حل للملف اليمني على المدى القريب والملف السوري على المدى المتوسط.

وهكذا، ففي ظل انسداد الحل السياسي وعدم حسم الرهان العسكري الحرب في اليمن، وعدم مبالاة واشنطن بهذه الحرب، تحضر روسيا بمثابة الجسر نحو الحل السياسي من خلال إيجاد توازن بين طهران والرياض في الشرق الأوسط، وأولى حلقاته وقف الحرب في اليمن.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password