عيّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جون بولتون مستشاره في الأمن القومي الأسبوع الماضي، ومعه تناسلت التحاليل القائلة بعودة فكر وأجندة المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض، وبالتالي انتظار توتر كبير في العلاقات الدولية ومنها احتمال الحرب ضد إيران إذا لم تتنازل عن برنامجها النووي.
ويعتبر بولتون هو الثالث الذي يحتل هذا المنصب في عهد ترامب بعد كل من الجنرال مايكل فلين القادم من القوات الخاصة والجنرال الآخر القادم من قوات المارينز هيربير رايموند ماكستر. ويأتي تعيينه بعد تعيينات أثارت جدلا في منصب وزارة الخارجية مايك بومبيو بدل ريك تريلسون ومديرة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل. والثلاثة من دعاة استعمال القوة في العلاقات الدولية، وهذا يدل على توجه عسكري لواشنطن في العلاقات الدبلوماسية.
ويعتبر بولتون سياسيا مخضرما وأحد المتطرفين في العلاقات الدولية ولم يغير من الأفكار التي يؤمن بها. والتخوف بعد توليه منصبا له تأثير مباشر على الرئيس في البيت الأبيض قائم. وكتب في هذا الصدد المحلل كليشنديف كلمور في مجلة «ذي أتلنتيك» منذ أيام أن «سياسيا مثل بولتون قضى ثلاثة عقود في واشنطن لم يغير من أفكاره منذ عهد رونالد ريغان ولا يعتبر الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية والأمم المتحدة تخدم مصالح الولايات المتحدة». ويزداد التخوف أكثر إذا اطلعنا على كتاب جون بولتون الصادر سنة 2007 بعنوان «الاستسلام ليس حلا» وتضمن رؤيته لملفات شائكة مثل كوريا الشمالية وإيران، حيث يصر على الحل الحازم بما في ذلك استعمال القوة. ويضاف إلى هذا افتتاحية «نيويورك تايمز» منذ أيام بتنصيصها على أن «أشخاصا قليلين قادرين على جر البلاد إلى الحرب مثل تعيين جون بولتون».
وإذا كان الجميع يتحدث عن مدى خطورة تعيين بولتون وجر البلاد إلى الحرب، هذا يجرنا إلى تساؤل أو تساؤلات أخرى، هل يمتلك بولتون قرار الحرب؟ وهل سيسمح القادة العسكريون بتورط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران في وقت يمر منه العالم بأوقات حرجة جيوسياسيا؟
وعلاقة بالسؤال الأول، يعتبر بولتون من المتطرفين في العلاقات الدولية وأحد العناوين المتبقية من فكر المحافظين الجدد في واشنطن، لكنه في الوقت نفسه، هو رجل التناقضات بامتياز. شن حملة ضد الجمعيات غير الحكومية الدولية ولكنه تولى منصب مدير التعاون الدولي معه الجمعيات الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية في أوائل التسعينات. ونادى بالتخلي عن الأمم المتحدة وأصبح سفيرا لبلاده في مجلس الأمن ما بين سنتي 2005-2006. ولا نستغرب إذا جنح إلى السلم في العلاقات مع كوريا الشمالية وإيران لاحقا. ويكفي أنه سيكون من المشرفين على اللقاء المرتقب بين رئيس كوريا الشمالية كيم يونغ والرئيس الأمريكي.
أما الجواب عن السؤال الثاني فهو شائك خاصة أننا لا نعرف مستوى تأثير بولتون على ترامب، وكان هذا الأخير معجبا بأفكاره، وكاد أن يعينه وزيرا للخارجية قبل اختياره ريك تريلسون.
في هذا الصدد، لو قام بولتون بالتأثير على ترامب لشن الحرب ضد إيران، فالرئيس الأمريكي لا يمتلك قرار إعلان الحرب بل هذا يعود إلى الدستور الأمريكي بموجب البند الثامن من الفصل الأول من الدستور الأمريكي. وتوجد ثغرة في الصلاحيات المخولة للرئيس الأمريكي التي بموجبها يمكنه الدخول في عمل عسكري، واستغلها الرؤساء للتورط في عمليات عسكرية تحولت إلى حرب رغم أن الكونغرس لم يعلنها. ولهذا تعتبر في القاموس العسكري الأمريكي تدخلا عسكريا وليس حربا وأشهرها فيتنام والعراق.
وتاريخيا، صادق الكونغرس الأمريكي على ست حروب وهي ضد بريطانيا (1812)، ضد المكسيك (1842)، ضد اسبانيا (1898)، ضد المانيا (1917)، ضد المانيا واليابان وإيطاليا سنة 1941 في إطار الحرب العالمية الثانية، ثم ضد هنغاريا ورومانيا وبلغاريا سنة 1942 في إطار الحرب العالمية الثانية، بينما الباقي لم يصادق عليها الكونغرس بل تعتبر قرارا رئاسيا وأحيانا كان الكونغرس يرسل جنودا ولكن بدون إعلان حرب.
إذن كيف يعلن الرئيس الحرب؟ الرئيس له الصلاحية الدستورية للتحكم في قوات المارينز وإرسالها إلى أي بؤرة في العالم، وأمرها بتنفيذ عمليات عسكرية من غير العودة إلى الكونغرس. وبما أن المارينز يجب أن يصل إلى منطقة التدخل، تضطر البحرية الحربية إلى حمله. ومن حق المارينز طلب مساعدة القوات الخاصة للجيش مثل فرق رينجر وفرق المظلات 82 والقبعات الخضر وكذلك بعض الفرق الجوية مثل فرقة 160 لتأمين اللوجستيك والتفوق العسكري. هنا يكون الرئيس قد ورّط جزءا هاما من الجيش في العملية العسكرية، وهذا ما وقع في التدخل العسكري ضد العراق سنة 2003. ولكن: هل يمكن للرئيس ترامب تكرار هذا السيناريو في حالة إيران؟
سيناريو عملية جوية خاطفة أو القصف بالصواريخ لن تنجح ضد المشروع النووي الإيراني، ولو كانت قابلة للتنفيذ لنفذتها إسرائيل. ثم لا يمكن إنزال قوات المارينز أو المشاة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية لأن هذه الأخيرة شديدة التحصين عسكريا وفي أعماق الأرض، حيث شيدها الإيرانيون على شاكلة قيادة «نوراد» الأمريكية في أعماق جبل شايين في ولاية كولورادو.
وعليه فإن صلاحيات الرئيس بإرسال المارينز وتوريط قوات أخرى لن تنفع في مواجهة إيران لأن التدخل العسكري ضد طهران يستوجب إعلان الحرب من طرف الكونغرس لأنها حرب تحتاج إلى إمكانيات عسكرية هائلة للغاية كما وقع في الحرب العالمية الثانية، أي تدخل الجيش الأمريكي بكل فروعه وقوته.
ووفق كتابات ضباط سابقين أمريكيين ترفض قيادة العمليات الخاصة الأمريكية بشكل حازم مغامرة حربية ضد إيران إدراكا منها أنها لن تكون في مواجهة إيران وحدها بل بطريقة غير مباشرة ضد روسيا والصين، حيث ستمد الدولتان إيران بالمعلومات والأسلحة المتطورة للمقاومة وتدمير جزء من الترسانة العسكرية الأمريكية علاوة على القواعد العسكرية في الخليج التي ستكون هدفا مستمرا، وبالتالي تكبيد واشنطن خسائر جمة. وتدرك الولايات المتحدة أنها في أي هجوم على إيران ستكون عرضة لتجارب لأسلحة روسية وصينية جديدة يمتلكها الحرس الثوري الإيراني. من جانب آخر، عندما تصل دولة إلى قوة عسكرية صلبة قادرة على صد أي اعتداء خارجي بقوة نارية كبيرة بما فيها القوة الصاروخية الموجهة بدقة لضرب الأهداف، تكون نتيجة أي هجوم عليها مكلفة للغاية بشريا واقتصاديا، وهذا الذي سيجعل القيادة العسكرية الأمريكية تتحفظ بكل جدية على المغامرة العسكرية ضد إيران لأنها قوة صلبة ولأنها لا تهدد الأمن القومي الأمريكي مباشرة خاصة في ظل تراجع أهمية الشرق الأوسط لصالح منطقة المحيط الهادي في أجندة الولايات المتحدة.
ولا تنسوا أن الولايات المتحدة شنت خلال العقود الثلاثة الأخيرة الحرب ضد دول ضعيفة عاشت الحصار مثل العراق، أو كانت في طور التفكك مثل صربيا، أو ميكروسكوبية مثل غريناد، ولم تهاجم أي دولة ذات قوة عسكرية متوسطة.
ولهذا فتأثير بولتون لن يتعدى في أقسى الحالات تشجيع ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، لكن الأوروبيين وروسيا والصين يتشبتون به، مما سيخلق للبيت الأبيض مشاكل في علاقاته مع حلفائه ومع موسكو وبكين.
تعيين ترامب لبوتلون لا يعني حتمية الحرب ضد إيران/ د. حسين مجدوبي
صورة مركبة للرئيس دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون