توفي الروائي والناقد المغربي محمد أنقار في مدينة تطوان يوم 15 فبراير 2018 وهو في بداية عقده السابع، يرحل بعدما ترك أعمالا أدبية جليلية منها باريو مالقا و”صورة المغرب في الرواية الإسبانية”.
وكان الراحل قد درس في جامعة فاس وتخرج منها سنة 1967، والتحق بجامعة عبد المالك السعدي في تطوان سنة 1982، حيث درست أفواج عديدة وتخرجت على يده في شعبة الأدب العربي.
وأعرب الكثيرون في المغرب وخاصة في الشمال، في شبكات التواصل الاجتماعي، عن تأثرهم البالغ برحيل روائي تميز إبداعا وإنسانية. وكتب عنه الناقد إبراهيم الخطيب في جداره في الفايسبوك “كان رجلا صموتا ، عفيف اللسان ، بالغ الرقة في تصرفاته ، حريصا على عدم إثارة أي سوء تفاهم “.
وكان أنقار قد حصل على رسالة الدكتوراه سنة 1992 في موضوع حول بناء صورة المغرب في الرواية الاستعمارية الإسبانية، وهو من أهم الكتب التي صدرت حول تشكيل صورة المغرب كدولة وكمواطن في الأعمال الأدبية بل وحتى بعض الكتابات السياسية في اسبانيا خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
وهذا العمل الأكاديمي الذي صدر في كتاب في التسعينات، يعتبر مرجعا لكل الباحثين حول صورة المغرب في الإبداع الإسباني بكل تجلياته، حيث تناول بالبحث كتب مثل “يوميات شاهد على حرب إفريقيا” لبيدرو أنتونيو دي ألركون و”عيطة تطوان” لبنيتو بيريث غالدوس حتى روائيي العشرينات في اسبانيا. ولم تحظى هذه الدراسة بالأهمية الأكاديمية التي تستحقها نظرا لغياب نقاد وباحثين حول صورة المغرب في فكر وإبداع الآخر وخاصة في الفكر والأدب الإسباني. ويقول عنه الناقد الدكتور جميل الحمداوي أن بهذه الدراسة يعتبر رائد الصورة الروائية في العالم العربي.
وكان محمد أنقار الى جانب عمله الأكاديمي ينشر مجموعات قصص قصيرة وكذلك روايات بين الحين والآخر ومن أبرز الروايات “المصري” الصادرة عن دار الهلال في المغرب. وكتب الناقد محمد مشبال عن الرواية ما يلي”الكاتب ولد في هذه المدينة (تطوان) لكاتب ولد في هذه المدينة وتفاعل مع سماتها وأدمن التأمل في فضائها وعايش تحولاتها التاريخية والاجتماعية، فأراد أن يخلد هذا الرصيد الوجداني في عمل روائي ممتع ينبغي أن نقرأه أولا في سياقه الأدبي”.
وفي عمل آخر، كتب عن الحي الشعبي الشهير في مدينة تطوان وهي رواية “باريو مالقا” (حي مالقا)، حيث عاش الكاتب في هذا الحي في فترة زمنية طويلة ونجح في رسم صورة رائعة عن هذا الحي عبر شخصيات متعددة مغربية واسبانية خاصة إبان الاستعمار، وهو عمل يستحق أن ينقل الى السينما أو التلفزيون. ويقول عن باريو مالقا ” منذ بدأ وعيي الطفولي يتشكل، سكنني “الباريو ” إلى حد الهوس وما زال يسكنني وأنا الآن شيخ. فيه انفتح صباي وأطلقت رجلي للريح ولعبت بانشراح، وغامرت، وخفت من الفتوات، وتعلمت، وأحببت السينما، وحفظت أجزاء من القرآن، وعرفت خشوع الصلاة وحب الطبيعة، وتقديس الصداقة. وفيه أيضا عشقت الدنيا وأنا في مرحلة الشباب الغض، وأحسست بفورة الدم يغلي في عروقي وأنا أتطلع إلى الجنس الآخر. سحرتني فيه الأندلسيات الإسبانيات، وأثارني الغموض الكامن وراء لثام المغربيات وفي عمق عيونهن “.
محمد أنقار ينتمي الى طينة أولئك الكتاب الذين عندما يرحلون عن هذا العالم يدرك الوطن مدى تميزهم وقيمتهم الإبداعية لأنهم عملوا في صمت بعيدا عن الأضواء لكن بصماتهم تبقى جلية وبارزة في حقل المعرفة.