كشف وزير التعليم العالي لحسن الداودي وسط قبة البرلمان خلال الأسبوع الجاري عن آلية اختيار المرشحين لشغل مناصب علمية في الجامعات المغربية، وأكد أن الهاجس الأمني هو الحاسم في عملية الاختيار.
ما كشف عنه وزير التعليم العالي ليس جديدا بل هو متداول ومعروف لدى الأوساط السياسية والثقافية والرأي العام المغربي ويمتد الى جميع القطاعات، إذ يدرك الجميع أن الترشح والتعيين في أي منصب وإن لم يكن حساسا مثل عميد كلية أو رئيس مصلحة مرتبط بتقارير جهاز المخابرات، ويتطلب الأمر ليس فقط موافقة بل رضى الأجهزة في حالة التعيين في منصب مثل الخارجية أو منصب في الاعلام العمومي.
لكن الجديد في الامر هو ان الوزير الداودي اكتسب الجرأة وأكد هذه المعطيات في قبة البرلمان التي تعتبر نظريا فضاء سيادة الشعب.
وبقدر ما اكتسب الوزير الجرأة بقدر ما سيطر الجبن على نواب الأمة، يمينا ويسارا الذين لم يطالبوا بجلسة خاصة لدراسة هذه الظاهرة المخزنية المخزية.
شرط تعيين مسؤولي الجامعات ورؤساء مراكز الأبحاث بموافقة الأجهزة الاستخباراتية والأمنية يحمل انعكاسات سلبية للغاية على تطور مختلف القطاعات في المغرب. و هذه السياسة الأمنية قادت الى:
– تحويل المغرب الى دولة بوليسية صامتة، إذ يصبح تولي منصب مشروط بما ستحمله تقارير الاستخبارات وليس الكفاءة . و الخطير أن يصبح كل من شارك في تظاهرة أو تبنى فكرا نقديا وخاصة تجاه المؤسسة الملكية يستبعد نهائيا من تحمل المسؤولية والمشاركة في تقدم البلاد. وتسعف الكثير من الأمثلة في تسليط الضوء على هذا الشأن، فنسبة كبيرة من المغاربة نجحوا في الخارج لم يجدوا لهم موقعا في المغرب، و كان غلق الابواب في وجوههم ببلديهم المغرب ناجم عن حملهم لفكر نقدي غير مهادن في الانتصار إلى الحق ويراعي بالدرجة الأولى شروط واقتضاءات التطور والتحديث والتنمية بعيدا عن الحسابات الضيقة للسلطة ومن دون الاستناد إلى أي علاقة موالاة معها أو مع الاشخاص الذين يملكون مفاتيح أبواب المؤسسات المعنية الكبرى.
-في الوقت ذاته، هذه السياسة تجلي و بامتياز مظاهر تدني المغرب بل وانحطاطه في الكثير من القطاعات، لأن كل شخص يعلم مسبقا أن استمراره وتسلقه في المناصب رهين بصمته المطلق عن الفساد بل وتزكيته تفاديا لإغضاب من هم في الأعلى وتطبيقا لمقولة “العام زين” أو قبيلة “بني وي وي”، ويجري بذلك نسف ما يمكن ان يحمله هذا القطاع من تنمية وتطور وتحديث للبلاد والعباد.
الفكر النقدي ضروري لتقدم المجتمعات وهو ما تؤكده التجارب البشرية، لكن الدول البوليسية سواء العلنية منها أو التي تنهج آليات صامتة في ممارستها لتسيير الشأن العام تحارب الفكر النقدي، ويكفي رؤية المغرب في التقارير الدولية، حتى تلمس ما يشهد على حالة التخلف والتأخر في مختلف القطاعات المرتبطة بالإبداع وحرية التعبير و التنمية. أليس المغرب مصنفا في المركز 130 عالميا في سلم التنمية؟