قال رئيس الأركان العسكرية الإسرائيلية هيرسي أليفي الأربعاء من الأسبوع الماضي بقدرة إسرائيل ضرب إيران بدون الاعتماد على الولايات المتحدة، ونقلت جريدة أكسيوس الإسرائيلية عن مصادر إسرائيلية الجمعة الماضية النجاح في الرد على الفلسطينيين لكن مع تجنب الدخول مع حزب الله في مواجهة. إنها مجموعة تصريحات تبرز التناقضات الإسرائيلية وعنوانها البارز الفشل في الهجوم سواء على حزب الله أو إيران.
منذ سنوات طويلة تناولنا في مناسبات متعددة استحالة هجوم إسرائيل على إيران بسبب تراجع قوة الردع الإسرائيلي وفقدانها المبادرة العسكرية في الشرق باستثناء في حالة سوريا، وحتى في حالة سوريا يعد الأمر مؤقتا. والقول بتراجع القوة الإسرائيلية يعنمد على ثلاثة عوامل وهي: الأول، هو تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية ثم مستوى قدراتها العسكرية، وأخيرا، المستوى العسكري للطرف الآخر لاسيما إيران وحزب الله.
في هذا الصدد، مراجعة ودراسة كل الاعتداءات العسكرية التي نفذتها إسرائيل طيلة عقود، سيتين كيف أن إسرائيل لا تكثرت نهائيا بالقانون الدولي، كما أنها لا تكثرت كثيرا بردود فعل الولايات المتحدة. فقد خرقت القانون الدولي عشرات المرات بتنفيذ عمليات عسكرية عندما تحس بخطورة ما ولو محدودة جدا على أمنها القومي. وذلك سواء عبر شن هجمات على دول وجماعات أو اغتيال شخصيات بل وحتى التورط في التشهير كما فعلت بتنسيق مع أنظمة عربية من خلال الذباب الالكتروني واستعمال تقنية بيغاسوس العسكرية للتجسس ضد مدنيين ومنهم حقوقيين وصحفيين اعتبرت أطروحاتهم الديمقراطية في العالم العربي خطرا على مستقبلها. غير أن الواقع تغير، فقد أصبحت إسرائيل التي كانت تصول وتجول في لبنان، أكثر حذرا منذ سنة 2006، تاريخ تعرضها لأكبر النكسات العسكرية على يد مقاتلي حزب الله. وتغيرت الأحوال، وأصبحت إسرائيل بدون رد أمام التهديدات الصادرة من زعيم حزب الله، حسن نصر الله الذي لم يكتف فقط برد على إسرائيل عسكريا إذا هاجمت لبنان بل إذا فكرت في اغتيال شخصية لبنانية أو أجنبية فوق الأراضي اللبنانية، كما جاء في تصريح له الشهر الماضي. وهكذا، أصبحت إسرائيل تحرص على القانون الدولي بينها وبين لبنان عكس خروقاتها السابقة، أو ما تفعله مع سوريا حاليا.
ولا يمكن فهم تراجع العقيدة الرئيسية للجيش الإسرائيلي بالمبادرة العسكرية، أي شن هجمات وبالخصوص ضد إيران ولبنان، بدون تقييم حقيقي لمستوى الجيش الإسرائيلي. نعم، إسرائيل قدرة عسكرية كبيرة وهائلة، تمتلك مؤهلات ضخمة بدون اللجوء إلى السلاح النووي، غير أنها أصبحت وبمفاهيم نسبية ضعيفة بسبب التقدم العسكري الذي حققه الآخرون وانعكاسه على أراضيها وساكنتها، علما أنها ساكنة تعاني سلفا من ضعف النسل بسبب قلة الولادات والأمراض الوراثية وتنصيص القانون على أن اليهودي هو المولود من أم يهودية وليس من أب يهودي.
تهدد إسرائيل بضرب إيران (لا نتحدث عن السلاح النووي لأنه مستحيل استعماله) ، نعم إسرائيل قادرة على شن عمليات هجومية ضد هذا البلد، ولكن التساؤل: هل يمكنها تحقيق 90% من الأهداف المرصودة أو على الأقل 75% من الأهداف المسطرة لي هجوم طالما أن الهدف الرئيسي هو ضرب المشروع النووي؟ والجواب لا، إسرائيل ستكون قادرة بالكاد على تحقيق 25% من أهدافها بتدمير بعض البنيات التحتية الإيرانية دون شل المشروع النووي. ويعود هذا إلى افتقارها للقدرة العسكرية الحاسمة. لم يتقدم الطيران الإسرائيلي كثيرا رغم اقتناء إف 35، ولن تنفع القوات البرية ولا البحرية إسرائيل في الهجوم على إيران. بل يلاحظ كيف أن إسرائيل ركزت على تطوير الدفاع الجوي ضد الصواريخ والطائرات المسيرة “الدرون” بسبب تقدم الطرف الآخر بزعامة إيران في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة. بل تعد إيران رفقة تركيا من الدول التي تغير قواعد سوق السلاح العالمي، ويكفي أن روسيا والصين تحولتا لزبائن للدرون والصاروخ الإيراني.
لن تستطيع إسرائيل الصمود كثيرا للضربة الإيرانية، فالحرب ستكون طويلة وستشمل كل الأراضي التي تحتلها إسرائيل، إذ أن تهاطل الصواريخ بالآلاف عليها يعني عملية نزوح الساكنة نحو أماكن آمنة. وسيكون من الصعب على اليهود إيجاد جيران يستقبلونهم وذلك بسبب العداوة التاريخية، وسيكون الحل هو بواخر لنقلهم الى دول غير عربية وغير إسلامية. هذا هو السيناريو الحقيقي الذي تخشاه القيادة العسكرية والسياسية والدينية الإسرائيلية: حرب ستدفع باليهود إلى مغادرة إسرائيل بحثا عن مكان آمن. يمكن تلخيص نقاط ضعف إسرائيل الخطيرة في المساحة الصغيرة، ثم نسبة السكان المحدودة جدا وتقدم الآخرين عسكريا مما ألغى مفهوم الردع الإسرائيلي.
وعلاوة على كل هذا، تدرك إسرائيل الأهمية الاستراتيجية لإيران بالنسبة للصين كمصدر للطاقة، وتدرك أهمية إيران لمخططات روسيا في اننشارها العسكري من أجل تشكيل خريطة الحلفاء لمواجهة الغرب. وبالتالي، فإن الدعم الاستخباراتي والعسكري الروسي-الإيراني عائق آخر بل وسيكون حاسما للحد من أي ضربة إسرائيلية ضد إيران.
أدركت إسرائيل صعوبة تنفيذ عمل عسكري مباشر ضد إيران، ولهذا تنهج استراتيجية تتكون من شقين، الأول وهو ضرب إيران من الداخل عبر تحريك عملاء استقطبتهم منذ سنوات طويلة مثل اغتيال علماء الذرة، ثم استهداف المحطات النووية بكوماندوهات من الداخل أغلبهم من الإيرانيين المتعاونين معه. كما تهدف في الشق الثاني إلى الحيلولة دون إرساء إيران عتاد حربي متطور في سوريا مثل إنشاء مصانع سرية لتصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة لتفادي تكرار سيناريو حزب الله الذي خرج من “سيطرة الردع” الإسرائيلي.
منذ عقدين وإسرائيل تهدد بشن هجمات ضد إيران، وكلما تأخرت الهجمات تتقدم إيران في مشروعها النووي وصناعتها الحربية، وهذا يجعل مهمة الهجوم عملية صعبة. والواقع أن الهجوم هو عملية مستحيلة عسكريا نظرا لانعكاساتها الكارثية بمفهوم “نهاية العالم” لإسرائيل، أي بداية تفككها الفعلي.
وهكذا، لو كانت فاتورة الهجوم على إيران محدودة في الخسائر والتغيير الجيوسياسي عالميا، القضاء على المشروع النووي أو القضاء على القيادة الدينية-العسكرية الإيرانية عملية سهلة، لكانت الولايات المتحدة قد نفذته منذ سنوات. وعليه، الهجوم الإسرائيلي على إيران الذي تتكهن به وسائل إعلام دولية وتلوح به إسرائيل بين الفينة والأخرى هو مجرد “خرافة عسكرية”.