اعتاد المغاربة ترديد مقولة “إذا كنت في المغرب فلا تستغرب”، وهو ما يحدث من غرائب في السياسة والثقافة في بعض الأحيان، وآخرها حالة الفتاتين في إنزكان وكذلك استيراد السمك الصيني وكيفية تعاطي بعض الوزراء مع الحدثين بنوع من الانتهازية السياسية.
وعلاقة بالنقطة الأخيرة، ارتفعت تدخلات الأجهزة الأمنية ضد المواد الغذائية الفاسدة التي لم تعد صالحة للإستهلاك. وفجأة، بدأت السلطات تتحرك بإيقاع قياسي، وتبين أن المغرب يعيش حالة إهمال بشأن المواد الغذائية. ومن ضمن المواد التي جرت مصادرتها السمك، نعم سمك مستورد من اسبانيا وآخر من الصين.
وهنا يحضر التناقض الكبير، يتوفر المغرب على أكثر من ثلاثة آلاف كلم من الشواطئ الممتدة على طول البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. ويوقع اتفاقيات صيد متعددة مع أطراف ثالثة وأبرزها الاتحاد الأوروبي وروسيا. وفي الوقت ذاته، يعتبر من المصدرين الرئيسيين للسمك الى الأسواق الدولية ومنها البعيدة مثل اليابان.
لكنه فجأة نقف على الأخبار التي تفيد باستيراد رجال أعمال مغاربة السمك من اسبانيا التي تعتبر في ذات الوقت المستورد الأول للمسك المغربي، ومن دولة الصين. الأمر يبدو مثل النكتة التي لا يمكن مقارنتها سوى بمثل آخر مضحك وهو “استيراد السعودية للنفط” بينما هي أكبر دولة منتجة له.
وهنا يحضر التساؤل العريض: هل يعقل أن يكون المغرب من أكبر الدول المصدرة للسمك بينما يستورده من اسبانيا والصين؟ لم يصدر أي توضيح عن “سوبر وزير” عبد العزيز أخنوش حتى الآن.
وفي حادث آخر يعكس الغموض لدى السياسيين المغاربة الى مستوى المكر. هناك حالة حالة وزير السكنى نبيل بن عبد الله وحالة وزير الخارجية صلاح الدين مزوار. فبعد مرور أسبوع على حادث “الصاية” في إنزكان، حادث اعتراض متطرفين فتاتين كانتا ترتديان الصاية، وقيام رجال الأمن باعتقالهما، يرتفع صوت زعيم الشيوعيين “لايت” منددا بما يجري. ولم يتأخر شريكه في الحكومة المسؤول عن الدبلوماسية صلاح الدين مزوار في رفع صوته بعد مرور أيام على الحادث. وأعرب الوزيران عن رفضهما السياسي والاجتماعي لما حدث.
نبيل بن عبد الله التحق بركب الاحتجاج متأخرا، ولم يصدر حزبه أي بيان بعد وقوع الحادث، بل انتظر كثيرا، وهو ما يؤكد وجود نوع من الانتهازية في التعاطي مع الأمر. فالأحزاب والجمعيات الحداثية تمتلك رؤية واضحة وتصدر مواقف بمجرد وقوع حدث يشغل الرأي العام. ونرى كيف يغيب صوت حزب التقدم والاشتراكية في قضايا مثل تضييق الدولة على الجمعيات الحقوقية والإطارات الجمعوية الجادة.
وتأخر صلاح الدين مزوار في اتخاذ موقف في حالة “الصاية”، رغم أنه وقف بنفسه على كيف تحول المغرب الى دولة متطرفة في وسائل الاعلام الغربية بسبب هذا الحادث. وكان يفترض أنه أول من يقوم بالتنديد والتنبيه من هذا الانزلاق حفاظا على صورة المغرب.
وعلى مستوى آخر، حالة “الصاية” تتحملها أطراف متعددة، أولا، وزارة الداخلية التي لم تقدم توضيحا حتى الآن، وكيف خضع أفراد الشرطة لضغط المتطرفين وقاموا باعتقال الفتاتين، فهل دفن الوزير محمد حصاد راسه في الرمال؟
بدون شك، اعتقدت الشرطة دخول الدولة في سياسة “شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” بعد عرض صور وأسماء مثلي جامع حسان في الرباط. والدخلية هنا تمثل الدولة المغربية العميقة.
كما تتحمل وزارة العدل التي يشرف عليها حزب محافظ، العدالة والتنمية، ويسهل تحميله المسؤولية المعنوية، المسؤولية السياسية للحادث بحكم قبول النيابة العامة فتح تحقيق مع الفتاتين تقديمهما الى المحاكمة. فرئيس النيابة العامة هو مصطفى الرميد الذي ينبعث من الرماد بين الحين والآخر حسب تيرموميتر الأحداث.
ويجري كل هذا في ظل رئيس حكومة اسمه عب الإله ابن كيران يلتزم الصمت ويلعب على التناقضا بشكل لم يشهده المغرب مع اي رئيس حكومة سابق.
ما يعيشه المغرب من حوادث ومنها استيراد السمك وخضوع الدولة للمتطرفين في حادث الصاية يجعل مقولة “إذا كنت في المغرب، فلا تستغرب” تأخذ مصداقية أكبر.