يفتخر المغرب عسكريا ببناء سور فاصل في الصحراء لوقف هجمات البوليساريو وفرض واقع جديد في نزاع الصحراء، ولكن المغرب الرسمي يصمت هذه الأيام عن قرار بناء سور يجعل منه دركيا يدافع عن مدينة مليلية المحتلة من عمليات تسلل المهاجرين الأفارقة.
ويعتبر بناء سور الصحراء خطوة استراتيجية عسكرية قلبت موازين الحرب في نزاع الصحراء. وهذا الإنجاز العسكري يدرّس في مختلف الجامعات العسكرية. ورغم التطور العسكري وخطط الحرب التي تتجاوز نسبيا مفهوم الأسوار، يستمر هذا الجدار أو السور ذا جدوى أمنية كبيرة.
وإذا كان مغرب الأمس قد بنى سورا لحماية بلاده ووحدته، فالمغرب الرسمي اليوم يبني سورا على مدار أراض محتلة يطالب بها منذ قرون، ويتعلق الأمر بمدينة مليلية. والسيناريو هذه المرة مختلف، لا يتعلق الأمر بسور لحماية وحدة الوطن بل “لحماية اسبانيا والمساهمة في أمن ساكنة مليلية من هجوم أفارقة”.
ومن مكر التاريخ أن بناء هذا السور يأتي في وقت تجتمع فيه لجنة تصفية الاستعمار لمعالجة ملفات استعمارية عالقة. وتطرح اسبانيا مشكل صخرة جبل طارق وتحتج هذه الأيام على بريطانيا لتخويلها لحكومة الصخرة نسج علاقات دولية. وتتزامن مع نفس الشهر تقريبا من سنة 1860 عندما فرضت اسبانيا حدودا جديدة على المغرب في حرب تطوان، وألزمته ببناء سياج حدودي في سبتة ومليلية، ورفض وقتها رغم أنه كان منهزما في الحرب خوفا من “عار التاريخ”، ولكن الآن يحدث بناء السور وسط صمت مسؤولي المغرب الرسمي بينما تنوب عنهم الحكومة الإسبانية في تأكيد خبر بناء الرباط للسور وبأموال أوروبية.
تجري هذه التطورات في وقت لم يعد المغرب الرسمي يستطيع الحديث عن سبتة ومليلية وكأنه طابو حقيقي في علاقاته مع اسبانيا.
ولعل المفارقة التاريخية هو حديث أحزاب قومية مثل الأحزاب الكتالانية عن الحق التاريخي للمغرب في المدينتين وسط سكوت مسؤولي الرباط. الملك يتجنب الحديث عن سبتة ولو في عيد الاستقلال والعرش، ورئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران الذي كان يطالب سنة 2007 بمسيرة خضراء لتحرير المدينتين لا يمتلك الجرأة للنطق بهما في تصريحاته.
يقول المغرب الرسمي بالبرغماتية لأن البلاد محتاجة الى دعم اسبانيا في الصحراء، والصحراء أولوية ولهذا يصمت حاليا ومؤقتا عن المطالبة بهما. قد يكون هذا أمر مقبول نسبيا، ولكن بناء المغرب الرسمي سورا حول مليلية لا لمحاصرتها بل للدفاع عنها لا يعتبر برغماتية بل نكسة تاريخية.