وجه الصحفي المغربي المخضرم خال الجامعي رسالة مفتوحة الى العاهل المغربي الملك محمد السادس حول تجاوزات النيابة العامة وأساسا في ملف هاجر الريسوني، ويخاطبه كرئيس للمجلس الأعلى للقضاء.
نص الرسالة:
رسالة مفتوحة من خالد الجامعي إلى جلالة الملك محمد السادس
قضية الصحفية هاجر الريسوني: وانقلب السحر على الساحر
“لا خير فى قوم لا يتناصحون ولا خير فى قوم لا يقبلون النّصيحة”
عمر ابن الخطاب
سلام تام على من اتبع الهدى والبيان، وجعل من العدل أساس العمران، ودحض الظلم والجور والطغيان.
صاحب الجلالة،
لن أتوجه إليكم بصفتكم ملكا ورئيس دولة، ولكن بصفتكم رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لأن الموضوع يتعلق بالعدل وانتهاك حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، في خرق سافر لمقتضيات الدستور المغربي.
إن مؤسسة النيابة العامة، ومنذ أن حصلت على استقلاليتها عن السلطات الحكومية، تحولت إلى مؤسسة استبدادية تشتغل بدون أية رقابة حتى أصبح جميع المواطنين رهائن أو رهائن مؤقتين لديها يفعل بهم قضاة هذه المؤسسة ما يشاؤون.
صاحب الجلالة،
منذ اعتلائكم عرش المغرب وأنتم تولون اهتماما كبيرا لوضعية المرأة، وتسعون لحماية حقوقها وتعزيزها، نظرا لاقتناعكم أن تلك الحقوق هي الركيزة الأساسية التي ينبني عليها المجتمع الديمقراطي الحداثي وتتأسس عليها المواطنة الحقة، ومن ثم جاءت مراجعة مدونة الأسرة واعتماد مدونة الجنسية ومكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء دون إغفال إقرار المناصفة بين الرجل والمرأة.
هذه كلها إصلاحات من شأنها تطوير العقليات والذهنيات في العمق والتوجه نحو بروز المواطَنة المغربية الجديدة.
ولكن كل هذه الجهود التي تبذلون لتكريس القطيعة مع انتهاك حقوق المرأة يكاد يختفي مفعولها وتذهب أدراج الرياح بسبب العواقب السيئة جدا لقضية الصحفية هاجر الريسوني التي يتابع اعتقالَها الرأيُ العام الوطني والدولي ويستنكره أشد الاستنكار.
إنه اعتقال تعسفي متبوع بمعاملة قاسية، خبيثة وغير إنسانية، أدانتها جمعيات حقوق الإنسان الدولية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان و اكثر من70 جمعية من المجتمع المدني الوطني، علاوة على ممثلي القطاع الطبي وعدد من المثقفين المغاربة البارزين.
أما الصحافة العالمية، سواء الأوروبية أو الأنجلوساكسونية، فقد أجمعت على إدانة هذا الفعل الشنيع. فمن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى الغارديان البريطانية ولوموند الفرنسية ولسوار البلجيكية، كلهم اعتبروا ذلك الاعتقال دليلا على أن المغرب تقهقر إلى فترة القرون الوسطى ومحاكم التفتيش .
إن هذه الصفعة المدوية لصورة المغرب في الخارج، توحي بأن الخطاب الرسمي حول احترام حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة ليس إلا مزاعم ومساحيق كاذبة .
هل سيستطيع المسؤولون عندنا تدارك هذا الفقدان الرهيب لمصداقية المغرب على المستوى العالمي؟
يا جلالة الملك،
لا شك أنكم على معرفة بتفاصيل هذا الملف الغريب وتطوراته وكيفية معالجته من طرف النيابة العامة.
كما لاشك أن هذه المصالح لم تقدم لكم إلا روايتها وتأويلها وخلاصتها، ولكن هل تعبر تلك الرواية وحدها عن الحقيقة الكاملة؟
اليس في هذه الحالات لا يمكن للمرء أن يكون، في نفس الوقت، خصما وحكما ؟
ولذلك ارتأيت أن أتوجه إليكم بهذه الرسالة.
جلالة الملك،
إن وكيل جلالتكم لدى محكمة الرباط اعتقد أن له الحق في نشر بلاغ يزعم أنه الحقيقة، وما هو إلا لباس الحق بالباطل، يشهد وسيشهد في المستقبل على اختلالات النظام القضائي المغربي وتفاهته وبهتانه.
كما أن نشر هذا البلاغ يشكل، في حد ذاته، خرقا للقانون، لأنه يتحدث بالتفصيل وأمام الملأ عن حميمية هذه المرأة وجوهر أنوثتها وعن انتهاك لحرمتها الجسدية ولحميميتها من طرف ما يسمى “الخبرة الطبية” الإجبارية المفروضة من طرف الشرطة.
إن وكيل جلالتكم مارس بهذا الفعل ضغطا غير مقبول على مجريات المحاكمة وحاول أن يبيع للمواطن العادي وَهْمَ روايته للوقائع.. لإخفاء الحق والحقيقة. لقد وجد هذا الوكيل في بعض وسائل الإعلام حليفا طيعا مطيعا عندما بادروا إلى نشر بلاغه دون استشارة دفاع السيدة هاجر للرد على هذا البلاغ.
ثم إن بلاغ وكيل جلالتكم يزعم أنه قد “ألقي القبض عليها بالصدفة” ولكن القانون الجنائي لا يتضمن أبدا أي فصل يتحدث عن الاعتقال بالصدفة ….
وهو ما يوحي بأن المغرب ليس دولة الحق والقانون، لأنه في بلدان الحق والقانون يخضع الاعتقال لمساطر مضبوطة ومحددة بالقانون وليس “بالصدفة”.
لقد ضرب وكيلكم عرض الحائط بالدستور وكل مقتضياته وضماناته، وبرهن لنا أننا محكومون بقانون “الصدفة”.
فهل انتقلنا من المفهوم الجديد للسلطة إلى المفهوم الجديد للصدفة؟
لقد أصبح الاعتقال بالصدفة سيف داموقليس مسلط على رقابنا ويتهدد حريتنا باستمرار وكأننا نعيش في حالة حرية مؤقتة.
وإذا أدينت هاجر، ستصبح إدانتها سابقة قضائية، قد يوظفها البعض لشرعنة ”الاعتقال بالصدفة”
جلالة الملك،
لقد وصف وكيلكم في بلاغه كيف أن هاجر الريسوني خضعت دون موافقتها لفحص انتهك حميميتها وسلامتها الجسدية والمعنوية وكرامتها الإنسانية.
هذا النوع من الفحص ينتهك الفصل 22 من الدستور الذي يعود لكم الفضل في اقتراحه وإقراره والذي ينص على ما يلي كما تعلمون:
“لايجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
ألسنا بعد هذه الخبرة الاستثنائية المفروضة قسرا أمام حالة من الاغتصاب الجسدي والنفسي والمعنوي ؟
أليس نوعا من التعذيب الجسدي هذا الذي تعرضت له هاجر الريسوني رغما عنها للبحث عن أدلة مزعومة تعزز إدانتها بارتكاب فعل الإجهاض المزعوم؟
وهل مكان هذه التفاصيل هو بلاغ الوكيل العام للملك؟
أليست الرسالة هي أن المرأة لا حق لها في التصرف في جسدها بحرية؟
أما حكاية الإجهاض فماهي إلا الشجرة التي تخفي الغابة كلها، خاصة عندما نعلم أن المملكة تعرف ما يقرب 300.000 حالة إجهاض غير قانوني كل سنة لا يعالج القضاء منها إلا 50 ملفا.
لقد رفضت المحكمة (القاضي ووكيل الملك) تمتيع هاجر الريسوني بالسراح المؤقت، فهل هذه المرأة تشكل وحدها خطرا جسيما على أمن الدولة؟ ألا تمتلك الضمانات الكافية لحضور جلسات محاكمتها؟
ما هذا الهراء وهذا العبث؟
ألا تعتقدون يا جلالة الملك أننا نعيش حالة من استغلال النفوذ والتعسف والشطط في استعمال السلطة من طرف وكيل جلالتكم؟ أم إن النيابة العامة تحولت إلى سلطة قاهرة لا يقف أحد في وجهها، ولو داست بقدمها القانون الجنائي والدستور وقانون المسطرة الجنائية؟
ألسنا أمام نفس التعسفات التي طبعت ملف معتقلي حراك الريف، وملف الصحفي حميد المهداوي وغيرها من الملفات؟
يا جلالة الملك
أليست مصداقيتكم الشخصية اليوم على المحك بسبب هذه القضية؟ أليست هذه المؤسسة مسؤولة أمام جلالتكم، علما أن عددا من الوكلاء، الذين يمثلونكم، ينسون بل يتناسون أن أقوالهم وأفعالهم وقراراتهم تسري عليها مباركتكم الضمنية، وانتم براء منها؟
أتساءل يا جلالة الملك بمناسبة هذه القضية، عن وقع وآثار استقلال النيابة العامة. وما هي نتائج اختفاء النيابة العامة عن عيون المساءلة و عن كل مراقبة شعبية او برلمانية ومن طرف الحكومة التي تضع السياسة الجنائية؟ وما دام ان المكلف بالتنفيذ له مسؤولية اتجاه الطرف صاحب التكليف، فهل يصح ان لا تساءل مؤسسة النيابة العامة ورئيسها عن تنفيذها في حين كان وزير العدل، وهو نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقا يحاسب ويتساءل وينتقد كل من بيده مسؤولية لا يمكن ان يكون فوق المحاسبة؟
اريد ان اقول في الختام بأن من مصلحة المغرب سياسيا ان يطبق الدستور، أي أن يشمل مبدأ المسؤولية والمحاسبة مؤسسة النيابة العامة. بل اعتقد أن من مصلحة العدالة التراجع عن نظام استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل ليبقى الوزير مجبرا على تحمل مسؤولياته الحكومية في ما يتعلق بالسياسة الجنائية وانحرافاتها وأخطائها ويبقى المحاسب المباشر امام ضحاياها وضحايا اختياراتها وتطبيقها وممارساتها. أليس من المناسب اليوم إعادة النظر في استقلالية النيابة العامة؟
جلالة الملك،
أنتم وحدكم لكم الصلاحية والقدرة لمراجعة هذا الاختيار غير الصائب المتعلق باستقلالية هذه المؤسسة، وهو ماجعلها تعتقد أنها فوق القانون، وتحميها من كل محاسبة الا محاسبتكم لهم.
جلالة الملك،
إن الاعتقال التعسفي لهاجر الريسوني، ومتابعتها في حالة اعتقال، جعل منها ايقونة. وجعل من محاكمتها مناسبة لتجديد وتعميق النضال من اجل الحريات الفردية والجماعية وحق المرأة في ملكية جسدها، وهكذا انقلب السحر على الساحر.
جلالة الملك،
لقد برز مؤخرا شعار جديد، في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، يقول:
“باي باي الحريات، النيابة العامة كتدير ما بغات”
مع أسمى عبارات التحية والتقدير.
والسلام
خالد الجامعي