تخوض السلطة العسكرية في مصر حاليا عبر الحكومة المؤقتة معركة شرسة لكسب شرعية دولية وقبول سياسي من قبل الرا ي العام الدولي ، ويواجه تحديا اعظم أيضا لمحاولة إقناع اروبا والغرب على وجه الخصوص، بكونه ” ثورة من اجل الديمقارطية” وليس انقلابا عسكريا كما ينظر إليها من غالبيتها. ويستمثر القائد العسكري عبد الفتاح السيسي الذي يحكم مصر حاليا كل الإمكانات المتاحة لكسب هذه المعركة بدأ من الإعلام والدعاية إلى الدبلوماسية ثم التحالفات الدولية لكن من دون جدوى.
وتتبنى الحكومة المؤقتة التي يقودها فعليا الجنرال عبد الفتاح السيسي استراتيجية بأوجه متعددة لمحاولة كسب التاييد الدولي لحكومته و”لثورته” التي أرد ان يحققها عبر تدخل عسكري جرى فيه عزل الرئيس المصري محمد مرسي وإنهاء حكم الإسلاميين. غير ان تمرير هذه الشرعية وتصريفها امام الراي العام الدولي تواجهها جملة من الصعوبات نتجية اضطراب في الاستراتيجية وعجز عن فهم التحول في منطق الاخر اتجاه الفاعلين في المجتمع العربي، خصوصا بعد الربيع العربي، و الإخلال بالمنطق الديمقراطي الذي يتناقض فيه من منظور الرأي العام الغربي أي دور سياسي للعسكر والديمقراطية، ناهيك عن التدخل الدموي في فض الاحتجاجات السلمية، والاعتقالات الشاملة في حق المعارضين ، والقمع الإعلامي الواضح، إضافة إلى دعم من قوى مثل نظم الخليج في مقدمتها السعودية لا تحظى بتعاطف حقوقي وديمقارطي بين الراي العام الاوربي و الغربي. ويشكل التعاطف التي تبديه إسرائيل اتجاه خريطة الطريق المصرية بتوقيع العسكر إحراجا للسلطة العسكرية المصرية وللثائرين على مرسي وعلى الإسلاميين.
الاجندة الإعلامية وبضاعة الإرهاب
فمن الناحية الإعلامية عمدت المؤسسة العسكرية في مصر بقيادة الجنرال عبد الفتاح السياسي إلى تبنى خطاب إعلامي يستند إلى بؤرة محورية يربط بين التدخل العسكري في المشهد السياسي من قبل الجيش و محاربة الإرهاب. ويبدو ان الإرهاب هو الفزاعة الاكبر التي عادة ما كانت تجلب دعم الغرب، لكنه يبدو انه بات من غير مفعول هذه المرة، حيث لم يستطع ان يفرض على الراي العام الدولي هذه الاجندة، بل تعاظمت مطالب الزعماء الاوروبيين على سبيل المثال بوقف العنف ضد المتظاهرين.
وسوف يقرر غدا الاربعا ء الاتحاد الاوروبي في اجتماع لوزراء خارجية السبعة والعشرين الإجراءات التي تفضي إلى الضغط على السيسي لوقف العنف وقمع المتظاهرين. وتظهر السياسية الإعلامية الرسمية في مصر الصعوبات التي تواجهها السلطة العسكرية الحاكمة في مصر للترويج لهذه القناعة. و تظهر عبارة ” أغينست تيروريزم” أي “ضد الإرهاب” المكتوبة باللغة الانجليزية برأس شاشة القناة العمومية المصرية في إيحاء ان العسكر يخوض حربا ضد الإرهاب، و لم تفلح هذه الاستراتيجة بفرض اجندة العسكر على الراي العام الدولي بخصوص ازمة مصر، لانه بات يدرك جيدا ما يعنيه الإرهاب في هذا السياق، وهو نفس خطاب السلطة المستبدة في العالم العربي الذي تتبناه لمواجهة خصومها السياسيين. هكذا كان شان الزعماء الذين سقطوا في الربيع العربي حيث اتهموا الحركات الاحتجاجية السلمية بكونها حركات إرهابية، وقد تم ذلك مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ومع الليبي معمر القذافي والمصري حسني مبارك نفسه وغيرهم.
حينما يكون السند السعودية وإسرائيل
منذ ان امسك القائد العسكري عبد الفتاح السياسي بالسطلة وطارد خصومه السياسيين وعزل رئيسهم، لم يجد حكمه العسكري من سند دولي سوى نظم بلدان الخليج في مقدمتها السعودية والإمارات العربية المتحدة التي بادرت إلى توفير السند المالي الكبير للسلطة التي عزلت مرسي واسقطت حكم الإسلاميين، إضافة إلى إسرائيل التي اعلن مسؤولوها انهم سيبذلون الوسع من اجل تخفيف الضغط على السيسي، ومحاولة توسيع دائة الدعم الدولية له.
ولعل وجود هذه الانظمة الخليجية بزعامة السعودية وحدها تقريبا التي تسند خريطة طريق العسكر في مصر إلى جانب إسرائيل، بحسب مراقبين، يعمق من صعوبة تمكين هذا الدعم من ممارسة أي تاثير حقيقي الرأ ي العام الدولي وجعله يتعاطف مع عمل العسكر في مصر. فدول الخليج وخاصة السعودية لها صورة متدهورة لدى الغرب من حيث صلتها بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، ناهيك عن انها البلدان التي وقفت ضد الربيع العربي وفتحت أبوابها للدكتاتوريين العرب الفارين من ثورة الربيع العربي. وليست إسرائيل في الرأ ي العام الاوروبي باحسن حالا من تلك النظم بسبب قضية فلسطين.
الديمقراطية و العسكر بين الثورة والانقلاب
تبرر إدارة السيسي في مصر عزل مرسي وقمع المتظارهين وإنهاء حكم الإسلامين بدعو الثورة وتثبيت الديمقراطية، وينتج عن هذه الصورة التي يريد تصديرها الحاكم العسكري في مصر إلى العالم وخصوصا اوروبا والغرب، عسرا في الاستيعاب والقبول، فلا يستقيم في منظور الاوربيين على الأقل ان تستقر الديمقراطية من خلا ل دور سياسي للعسكر. ناهيك ان الراي العام العالمي يرى ان الرئيس المعزول محمد مرسي قد اتت به صناديق الانتخابات، مقابل تدخل عسكري تجاوز حدود دعم ثورة سياسية ضد حكم الإخوان. وقد اظهرت معظم وسائل الإعلام البارزة في الغرب والتي لها تاثير كبير في صناعة الراي العام الدولي ، خصوصا في افتتاحيتها، مواقف صريحة ومنددة بحكم السلطة العسكرية في مصر. و تتزامن الاحداث في مصر مع حدوث تغيير في رؤية الراي العام الغربي اتجاه الإسلام السياسي الذي بدأ ينظر إليه، خصوصا مع تطورات الربيع العربي، على انه قادر على ان يقبل بالديمقراطية.
ولعل انفراط عقد التحالف الذي بنت عليه المؤسسة العسكرية في مصر تدخلها ساهم في تأزيم تصريف صورة إيجابية عن السلطة ، وكانت الضربة الاكبر قد اتت مع استقالة محمد البردعي ورموز إعلامية واكاديمية اخرى، كان سيجر ي الاعتماد عليها لتحسين صلة “الثوار الجدد” بالرأي العام الاوربي و الغربي
وتكشف السلوكات السياسية والحقوقية للسلطة العسكرية في مصر القائمة على قمع الاحتجاجات الرافضىة لها، وقتل المتظاهرين، وفرض الطورائ واعتقال المعارضين وسجنهم ، والإساءة إليهم إعلاميا ودعائيا، وإغلاق جميع وسائل إعلام خصومهم، تكشف عن انها مداخل لا تؤشر على الأطلاق على أن خارطة الطريق هاته ستفضي بمصر إلى الديمقراطية، والا عن ان اصحابها اهل فكر ديمقراطي ، وتستحيل معها ان تحظى المؤسسة العسكرية في مصر بقبول حسن من قبل الرأي العام الدولي، وان ينظر العالم إلى صنيعها على انه ثورة وليس انقلابا.