إضرام النار في الذات أو الجسد، تعتبر أعلى مراتب التعبير عن الاحتجاج السياسي أو اليأس الاجتماعي، وفي كلتا الحالتين تعبران عن مواجهة الظلم. وهذه الظاهرة التي يبدو أنها بدأت تستقر في المغرب الذي يتصدر لائحة مواطني العالم في إضرام النار في أجسادهم تعود الى الستينات من القرن الماضي وشهدت منعطفا تاريخيا مع التونسي محمد بوعزيزي.
توجد تقاليد متعددة للانتحار في العالم وأبرزها للدفاع عن الشرف كما كان الحال عليه في اليابان عبر ضرب الإنسان نفسه بالسيف وهو تقليد ضارب في التاريخ، والانتحار كشكل احتجاجي ضد الظلم ويتجلى في إحراق الذات.
وإحراق الذات كطريقة للاحتجاج ليس بالتقليد القديم بل يعود الى بداية الستينات، حيث استفاق العالم يوم 11 يونيو على خبر إقدام رجل دين بوذي اسمه تشيك كوان دوك (1896-11 يونيو 1963) على إضرام النار في نفسه في شارع رئيسي في مدينة سايغون في الفيتنام الجنوبية احتجاجا على ملاحقة نظام نغو دينه دييم للبوذيين. ذلك الاحتجاج الذي هز العالم في اليوم الموالي وشكل حدثا عالميا وفاز المصور مالكوم براون بجائزة بوليتزر الصورة شكل بداية إرساء تقليد جديد للاحتجاج في العالم. وبدل الصحفيون جهدا كبيرا فيوصف عملية إحراق الذات هذه، حيث بقي رجل الدين واقفا لا يعبر عن أي ألم والنار تلتهم جسده. وكان رجل الدين قد ضرب موعدا للصحافة في اليوم السابق ليكونوا في مكان إحراق الذات في اليوم الموالي.
هذه العملية جعلت نظام الفيتنام الجنوبية تتخلى عن الإجراءات التمييزية الت اتخذتها ضد البوذيين ولصالح الأقلية الكاثوليكية، كما خلفت إدانة دولية ضد نظام الفيتام الجنوبية. وكانت ثان عملية هزت العالم هي التي حصلت يوم 2 نوفمبر 1965 ونفذها نورمان موريسون ضد حرب الفيتام، والعملية الثالثة يوم 16 يناير 1969 ونفذها جان بلاش في براغ ضد التدخل السوفياتي للقضاء على “ربيع براغ نحو الديمقراطية”.
وخلال السبعينات والثمانينات وحتى نهاية القرن العشرين، شهد العالم عدد من عمليات إحراق الذات قام بها عدد من رجال الدين البوذيين في إقليم التبت أساسا، ولكن الغرب بدوره شهد أحداث من هذا النوع ولكن محدودة.
ومنذ بداية القرن العشرين جرى تسجيل حالات أبرزها إحراق سينغالية لنفسها في روما يوم 7 ديسمبر 2007 للاحتجاج على سياسة الرئيس السابق عبد الله وادي، وكان وقتها يتواجد هناك، وسجلت سنة 2010 ثلاث حالات، الأولى يوم 20 فبراير 2010 في الهند عندما أحرقت طالبة غيدرباد نفسها للاحتجاج على السلطات من أجل انفصال إقليم تلانغانا، ويوم 25 مارس من 2010 أقدمت طالبة هيلدا وردوفا راميريث وهي بيروانية الجنسية على إحراق نفسها في مدينة مونتي راي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. ويبقى المنعطف البارز هو الذي حصل يوم 17 ديسمبر 2010 عندما أقدم محمد البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجا على الظلم الذي تعرض له، مفجرا بذلك الربيع العربي-الأمازيغي.
ووصلت الظاهرة الى المغرب يوم 21 فبراير من سنة 2012 عندما أقدمت امرأة مغربية تسمى فدوى العروي على إحراق نفسها احتجاجا على استبعادها من الاستفادة من السكن الاجتماعي في مدينة الفقيه بنصالح، ولتصبح هذه الظاهرة مألوفة في المغرب حيث تقترب من عشرين حالة حتى الآن بين مغاربة الداخل والخارج. والمثير أن المغاربة يتصدرون مواطني العالم في أحراق ذاتهم منذ بداية القرن الواحد والعشرين.
شريط فيديو يبرز محاولة إطفاء النيران التي اشتعلت في جسد فدوى العروي يوم 21 فبراير 2011