“الشقق الحلال” و “المساكن المحجبة أو المنقبة “، بين التلصص الثقافي و الابتزاز السياسي والاجتماعي

يعود الجدل حول المنتجات الحلال في أوروبا إلى الاشتعال من جديد عبر ظاهرة مثيرة تدعى “الشقق الحلال”، وتنبعث هذه المرة في هولندا التي كانت في يوم من الايام  بلد النعيم يفر اليها المضطهدون من  مراكز الاضطهاد خصوصا في أوروبا.

ويرسخ الجدل القائم حول هذه” الشقق الحلال”استمرار موضوعة الإسلام والمسلمين  كمصدر اول من  مصادر الجدل في اوروبا، ثم  تجلي تحول قيمة “الحلال ” إلى علامة تجارية مربحة إعلاميا، و مدر ة للاصوات انتخابيا، لكنها من دون شك في الوقت ذاته تجسد وجها من وجوه الابتزاز و “محاكم تفتيش ثقافية”. وقد يقود جموح  هذا “الاجتهاد”، ميد أون هولند ميديا، إلى تفريخ تصنيفات جديدة للمساكن مثل “الشقق المحجبة او المنقبة “إذا ما طلب سكانمسلمون بوضع أستار على الشرفات بسبب تسرب الشمس أو الغبار.

 

تقليعة “الشقق الحلال”

فوجئ المسلمون في هولندا وخارجها بما فيهم “المشرعون الفقهاء “، بوجود تصنيف شرعي تتحدد بموجبها القيمة الشرعية للشقق: أحلال هي أم حرام استنادا إلى علة الهندسة. ومصدر هذه التقليعة التصنفية الجديدة لشقق عادية بمناطق يقيم بها مهاجرون في هذا البلد الأوروبي، تعديلات جزئية تمس الكماليات، و لا تتعدى إحداث صنبور ماء خاص بالوضوء و فاصل منزلق لعزل المطبخ، أدخلتها شركات إسكان هولندية إثر استشارتها لساكينيها من الجالية المسلمة، فكان هذا التعديل من منظور صحيفة بارول الهولندية مسوغا لاستصدار “فتوى شرعية” من” مجمعها الفقهي الإعلامي” لترى ان هذه المباني بموجب هذه التعديلات الجزئية انتقلت من حيز  شرعي إلى أخر وتصبح بمقتضى ذلك” شققا حلالا”.

يبقى الإعلام في اوروبا مصدر المعرفة الاول لدى الرأي العام  بخصوص معرفة الإسلام و المسلمين، وهو عادة مايستغل هذا الوساطة وهذه الهيمنة ليمعن في خلق تصنيفات ثقافية على هواه، تستجيب أساسا لأجندة الاستهلاك. ولمتطالبات “موسطة/ ميدياسيون “للأخر لكنها موسطة تقوم أساسا على تشويه مقصود في غالب المرات بغر ض الإثارة.

” الحلال” علامة ليست تجارية فحسب بل “تنميطية” ومصدر للإدانة.

” تحولت صفة “الحلال”إلى علامة تجارية وهي في أصلها علامة شرعية، حينما ارتبطت  بمنتوجات مخصصة للاستهلاك في صفوف الجاليات المسملة في أوروبا، مثل” اللحم الحلال” وهي المستخلصة من الذبائح الخاضعة لشروط دينية معلومة لدى المسلمين. وعلى الرغم من أن سلسلة إنتاج هذه المنتوجات الحلال لا يحتكر  عملية التسويق فيها المسلمون وحدهم، بل يستفيد منها حتى منتجون اوربيون من غير المسلمين، (مثلا في رمضان تقبل سلسلة كارفور في فرنسا وسلسلات تجارية كبرى اخرى  في دول اوروبية على توفير هذه المنتجات الحلال بكثرة ليس لانها تراعي حاجة فئة ثقافية اودينية بل لانها تذر عائدات مهمة، خصوصا وانه في رمضان يرتفع استهلاك المسلمين للمنتجات الحلال) فإنه مع ذلك تبقى علامة الحلال علامة تصنيفية، وبحمولة تنميطية سلبية، توجب في المخيال العام الأوروبي صدودا.

وعلامة الحلال “استعملت في سياقات سلبية للدلالة على “مجموعة مسلمة متشددة وغير مندمجة”، “ترفض قيم الغرب والانفتاح” ألخ. ، هكذا عكستها التقارير الأمنية التي تداولتها وسائل الإعلام الأوروبية المختلفة في مناسبات عدة، بل غدت تلك “العلامة” حتى مصدرا لجلب تهم ” الإرهاب” ألم  تستعمل الاستخبارات الأمريكية في تحقيقاتها ومكافحتها للإرهاب طلب الركاب المسافرين على متن الطائرة ” لوجبة طعام حلال “، باعتباره شبهة لرصد متشددين وإرهابيين مفترضين؟

إن استعمال صفة”الشقق الحلال” من الصحيفة الهولندية، بنظر عدد من المعلقين على هوامش الخبر بمختلف وسائل الإعلام الاوربية و العربية، يجعل بنية الخطاب السطحية والعميقة  لا تخلو من تأشير على المدلولات السلبية مثل” التشدد والتطرف” و” عدم الاندماج” إلخ، ويرون في التوظيف الإعلامي لهذه العلامة نشدانا  لإثارة  هذه الصور وهذه الملامح نُقَط َجذبٍ في لعبة “الحكي الخبري”.

 تلصص ثقافي… وابتزاز اجتماعي وسياسي

يحيل “التلصص الثقافي” على نوع  من الاجتياح غير المأذون له واحيانا من وراء ستار إلى عوالم داخلية وخاصة  بمجموعة ثقافية او فرد ما بهوية مختلفة . وهو على نحو ما تجسس على الغير مادام انه يجري تحويل ما هو من اخص الخواص  إلى شأن عام،  وهذا التلصص أحيانا لا يسمح من حيث كونه غير مأذون  ويتم من وراء ستار، بجمع كل الحيثيات التي يمكن ان تضيئ  الجوانب المختلفة للأمر الذي  يجري التلصص عليه،  فيكون إدراكه اما جزئيا او مبتورا  او منقوصا. وقد ينطبق هذا التحديد  لفعل التلصص على واقعة “الشقق الحلال”، حيث يبدو واضحا انه انتهاك لفضاء خاص بمجموعة ثقافية وتأويل لقيمها تأويلا مبتورا و ممسوخا.

وضع صنبور خاص بالوضوء، وتثبيت باب منزلقة لفصل المطبخ عن باقي الغرف، هو  من اخص خصوصيات مجموعة ثقافية معينية، ويحدث في فضائها الخاص، يعني في بيتها الذي لا يعني احدا كيف هو؟. إنه شأن يرتبط بحرية الفرد كما الجماعة، قد يصعب تمثل امر  بهذه الطبيعة على أنه أمر عادي.

كثير من المتداولين لهذا الموضوع في المواقع الاجتماعية يعتبرون هذا “التلصص إنما يعكس  تلك الرغبة في الهيمينة، والاجتياح ومصادرة الحريات الفردية والجماعية، وإلغاء التعدد”. بل يرون فيه فعلا قد يقود  إلى الابتزاز السياسي والاجتماعي. ألم يعلق اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلديرس على ” الشقق الحلال” في خضم الجدل المندلع  معتبرا ان الامر يتعلق بمظهر من مظاهر “الأسلمة”(أسلمة ماذا؟ ربما الهندسة)، وقال في تغريدة له في هذه المناسبة “إن الذين يريدون السكن في سكن إسلامي من الافصل لهم  ان يرحلوا إلى السعودية”.

قد لا ينتهي بالتاكيد الامر عند “الشقق الحلال”، فقد تظهر علامات اخرى مرتبطة بسكن المسلمين مثل “شقق محجبة او منقبة” إذا ما تجرات الجالية المسملة على إصلاح ستائر النوافذ، او قامت بتعديلها لحجب الغبار او لإسدالها لقضاء لحظات حميمية.

Sign In

Reset Your Password