ي الوقت الذي بدأت به الأوضاع تعود نسبيا إلى طبيعتها مع نوع من الحذر في مختلف دول العالم وخاصة في دول آسيا مثل الصين وبعض الدول الأوروبية مثل اليونان وفرنسا والنمسا وألمانيا، تستمر دول أخرى في المعاناة وتطول الموجة الأولى فيها بشكل مقلق وهي الولايات المتحدة والبرازيل ونسبيا بريطانيا، دول يقودها سياسيون شعبويون لم يؤمنوا بخطورة الوباء وتعاملوا بعناد مع وصايا العلماء والخبراء.
ونجحت بعض الدول في السيطرة الكاملة على الوباء باستثناء انفلاتات لا تذكر وعلى رأسها الصين التي بها أكثر من مليار و300 مليون نمسة، وبالكاد أصاب الفيروس 85 ألف شخص توفي منهم أقل من خمسة آلاف رغم أنها كانت مصدر الوباء. ولم يسجل كورونا حالات تذكر في دول مثل الفيتنام والكامبودج التي سجلت 141 حالة فقط. وتعود السيطرة إلى اتخاذ إجراءات استباقية أعطت ثمارها من خلال نسبة قليلة من الإصابات.
وفي المقابل، نجحت دول بتفادي الأسوأ بإجراءات استباقية مثل دول الاتحاد الأوروبي، بينما تعاني ثلاث دول من ارتفاع كبير في عدد الوفيات وفي عدد الإصابات، وهي الولايات المتحدة والبرازيل وبريطانيا على التوالي، وتشترك هذه الدول في استخفاف قادتها بالفيروس والتعاطي بنوع من الشعبوية مع العلماء والخبراء.
في هذا الصدد، تخلف الوزير الأول البريطاني بوريس جونسون عن الركب الأوروبي ولم يعلن حالة الحجر الصحي سوى نهاية مارس/آذار الماضي، أي أسبوعين عن باقي الشركاء. ومرد هذا هو اعتقاده في مناعة القطيع وعدم اعتبار الفيروس قاتلا. ثم محاولة الإبقاء على النشاط الاقتصادي لا سيما بعدما خرجت بريطانيا من البريكسيت وتريد الإبقاء على إيقاع مرتفع من النمو. وكانت النتيجة أن بريطانيا أصبحت ثالث بلد في سلم الوفيات بأكثر من 44 ألفا والرابع في عدد الإصابات بـ288 ألفا. ويبقى المثير هو معاناة جونسون مع الفيروس بعدما أصيب به وكاد أن يفقد حياته.
وبدوره، تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستخفاف واضح مع الفيروس، وكان همه هو الإبقاء على عجلة الاقتصاد لكي يفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة خلال شهر نوفمبر 2020. ورحب أنصار الرئيس من اليمين والبيض بأطروحته لا سيما وأنهم يعتقدون أن كورونا مجرد مؤامرة من الذين يعملون من أجل نظام عالمي جديد. وتسجل الولايات المتحدة الآن أعلى نسبة من الإصابات بقرابة ثلاثة ملايين وأكثر من 131 ألفا من الوفيات. وأصبحت تسجل أرقاما مخيفة، فخلال اليومين الماضيين فقط، تجاوزت نسبة الإصابات في الولايات المتحدة جميع الإصابات التي سجلتها الصين منذ انتشار الفيروس، مع فارق نسبة السكان، حيث هي في الصين أربع مرات أكثر.
وعلى شاكلة ترامب وجونسون، تعامل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو باستخفاف كبير مع الوباء، فقد دفع بوزيرين للصحة إلى الاستقالة في ظرف شهرين بسبب الاختلاف في الإجراءات الوقائية، ورفض الالتزام بالكمامة. وكانت النتيجة تسجيل ما يفوق مليون و600 ألف مصاب وقرابة 67 ألفا من الوفيات بالفيروس. وأخيرا، أصيب الرئيس نفسه بالفيروس كما أعلن الثلاثاء من الأسبوع الجاري.
وعادة ما يبدي الرؤساء الشعبويون نوعا من العناد ضد مساعديهم، لكن لم يسبق أن وصل الأمر إلى تبني إجراءات مضادة لتوصيات الأطباء وخبراء الأوبئة حتى حصل مع الثلاثة، وكانت النتيجة مأساوية.
وبدأت أصوات في البرازيل ونسبيا في الولايات المتحدة وأقل في بريطانيا بالتحدث عن المسؤولية الجنائية لهؤلاء الرؤساء بالتسبب في وفيات نتيجة الاستخفاف وعدم الوعي بالمسؤولية.