تحل اليوم الاثنين الذكرى 53 لاختطاف زعيم اليسار المغربي المهدي بن بركة، وجرى استحضاره هذه الأيام بشكل ملفت بسبب المقارنة بين جريمة اغتياله وتلك الجريمة البشعة التي تعرض لها الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 أكتوبر الجاري.
وتوجد الكثير من نقاط التشابه بين ملف بن بركة وخاشقجي وإن كان الأول الأكثر غموضا وتشعبا بسبب تورط أكثر من دولة بسبب غياب الحقيقة حتى الآن، ويبقى القاسم المشترك بينهما هي الأسئلة المعلقة: من هي الجهة المسؤولة عن قرار القتل؟ ثم: أين توجد الجثة؟
لقد مرت أربعة أسابيع على مقتل خاشقجي ويستمر البحث عن الجثة، هل جرى تقطيعها ودفنها في غابة بلغراد بالقرب من إسطنبول وجرى نقل الرأس إلى السعودية بطلب من الوزير في الديوان الملكي سعود القحطاني ، وربما بطلب من رئيسه المباشر ولي العهد محمد بن سلمان، أم جرى تذويبها في الأسيد في محاولة لمحو آثار الجريمة. وتراهن السعودية على الصمت بشأن الجثة بادعاء أن الجثة سلمت الى متعاون تركي للتخلص منها.
وحدث الأمر نفسه منذ 53 سنة، يوم 29 أكتوبر 1965 في باريس مع المهدي بن بركة، فقد اختطفه فرنسيون وجرى اغتياله لاحقا من طرف فرنسيين ومغاربة، وتفيد روايات بنقل رأسه الى المغرب وتقديمه الى الملك الراحل الحسن الثاني بينما جرى تذويب جثته في الأسيد في باريس. وكان القضاء الفرنسي قد حكم بالمؤبد على الجنرال أوفقير وآخرين.
ففي الحالة السعودية الماثلة، قدمت الرياض اعترافها بقتل الصحافي جمال خاشقجي، بينما لايزال الصمت مستمرا في حالة المهدي بن بركة، لا تتحمل مسؤولية قتله لا دولة فرنسا ولا المغرب. في الوقت ذاته ترفض فرنسا حتى الآن الكشف عن وثائق وزارة الدفاع الخاصة بمقتل المهدي بن بركة، وبدورها ترفض الاستخبارات الأمريكية إزالة السرية عن ملف المهدي بن بركة رغم مرور 53 سنة، وهذا يدل على استمرار بعض المتورطين في الجريمة أحياء. بينما الموساد الإسرائيلي هو الوحيد الذي قدم معطيات تفيد بتورط بعض أعضاءئه بطلب من المغرب في قتل الشهيد. لكن تبقى معطيات مشكوك في جزء من الرواية لأن هذا الجهاز ينسب لنفسه الكثير من الملفات العالمية بهدف خلق هيبة وسط الرأي العام العالمي. ونشرت عشرات الكتب عن المهدي بن بركة ومئات التحقيقات وأفلام وثائقية وفيلم سينمائي، لكن حتى الآن بدون نتيجة.
وكانت قضية المهدي بن بركة قد فجرت فضيحة دولية وقتها، ودفعت بالرئيس الفرنسي شارل ديغول الى قطع العلاقات مع المغرب لسنوات وإعادة هيكلة المخابرات الفرنسية. ويعد المهدي بن بركة من زعماء الحركة الوطنية الذين ناضلوا ضد الاستعمار، ولجأ بعد الاستقلال الى المنفى بسبب اختلافه مع الملك الشاب وقتها الحسن الثاني، وكان مخاطبا لليسار العالمي واختطف أسابيع قليلة إشرافه على مؤتمر القارات الثلاث الذي انعقد في كوبا وضم حركات التحرر العالمية ودول يسارية وقتها.
واستحضرت جريدة “الواشنطن بوست” ملف المهدي بن بركة منذ أيام في مقال بعنوان “العالم بين جريمتي بن بركة وخاشقجي.. ما هي الدروس المستخلصة؟ من توقيع إريك غولدشتين. ويقول في المقال “القوى الغربية ربما لم تذرف الدموع بعد تصفية شخصية اشتراكية خلال الحرب الباردة. ولكن عجزها عن طلب توضيحات حول الجريمة التي ارتكبت فوق التراب الفرنسي شجع الملك. فطيلة ربع قرن، الذي تلاها، سحق معارضيه من مختلف القناعات السياسية، وقامت اجهزته الامنية باختطافهم بالمئات، أو سجنهم بعد التعذيب الممنهج والمحاكمات غير العادلة بالجملة، وأحيانا في سجون سرية، كما كشفت عن ذلك لجنة الحقيقة بالتفصيل. هذه الفترة بات المغاربة يطلقون عليها “سنوات الرصاص”.
ويبرز في المقال “في الذكرى الأربعين لاختطاف بن بركة سنة 2005، ترأس عمدة باريس حفل افتتاح “ساحة المهدي بن بركة” قبالة مقهى “ليپ”. ربما في يوم من الأيام سيتم وضع لوحة أمام القنصلية السعودية في اسطنبول للاحتفال بذكرى اختفاء خاشقجي. ولنجعل منها أيضا ذكرى لفشل الحكومات في الوقوف إلى جانبهم، وإلى جانب جميع ضحايا هذه الحكومة الوحشية.”