خسر الغرب الحرب الأوكرانية ضد روسيا، وهي ضربة قوية للغاية، وليس مستعدا الآن لخسارة الحرب في قطاع غزة، لأن الحربين ليستا بالعاديتين بل تحددان مصير الكثير من الملفات الجيوسياسية مستقبلا. لهذا سيتيح الغرب للكيان ممارسة مزيد من حرب الجبناء، أي قتل الأبرياء وتدمير مختلف البنيات لمنع المقاومة الفلسطينية من تحقيق أي انتصار ولو نسبي، بينما المعنوي قد حققته.
في هذا الصدد، كان قائد القوات الأوكرانية الجنرال فاليري زالوجني، قد صرح في حوار مع مجلة «ذي إيكونوميست» بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن «الحرب الروسية – الأوكرانية دخلت طريقا مسدودا»، وأن الهجوم المضاد قد يستغرق سنوات طويلة. ومنذ أيام قليلة، قالت ماريا بزوغلايا رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان الأوكراني غن «قادة الجيش لم يعد لهم أي تصور حول كيفية استمرار الحرب».
دأ الغرب يعترف تدريجيا بالانهزام في هذه الحرب، فهي في آخر المطاف حرب الغرب ضد روسيا، أكثر منها حرب أوكرانيا ضد روسيا. وعمليا، اقتنع الحلف الأطلسي بصعوبة استعادة الأراضي التي سيطر عليها الروس شرق روسيا، أو التقدم ولو ميلا واحدا من خطوط الدفاع التي أقامها الروس لحماية أقاليم الدونباس. وبدأ الغرب يمهد للواقع المر وهو عدم تحقيق الانتصار، ويلجأ إلى تبريرات منها قوة الجيش الروسي، تراجع المخزون الحربي للغرب الذي لم يعد بمقدوره تزويد الجيش الأوكراني بالقذائف، ثم صعوبة تجنيد جنود جدد للجيش الأوكراني. ويعد صمت الغرب، خاصة وزراء الدفاع عن الحرب الأوكرانية هو محاولة تهيئة الرأي العام الغربي لإعلان الهزيمة.
وعمليا، لم تكن هذه الحرب هي حرب الشعب الأوكراني، بل هي حرب الغرب في محاولة منه إضعاف روسيا والتشويش على التقارب الروسي – الصيني، الذي يقدم نفسه بديلا للغرب. ويدرك الغرب استحالة خسارة روسيا للحرب، إذ تعتبر موسكو دخول أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي هو أكبر تهديد لوجودها. وكان الغرب يدرك أن موسكو قد تلجأ إلى السلاح النووي للحيلولة دون انتصار أوكرانيا والغرب. إن هزيمة الغرب في أوكرانيا التي تنتظر فقط الإعلام الرسمي عنها، تدفع الآن الغرب إلى تقديم كل الدعم لإسرائيل، كي لا تخرج ولو بخسارة معنوية من حرب قطاع غزة. نعم، ما يجري في غزة هو جزء من الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي الممتد عبر عقود من الزمن، لكنه في الوقت ذاته جزء من الصراع الغربي مع العالم العربي والإسلامي. كيف يمكن تفسير صمت الغرب على القتل الوحشي اليومي للقوات الإسرائيلية ضد الأطفال والنساء من الفلسطينيين، بل قصف المستشفيات؟ كيف يمكن تفسير زيارات زعماء الغرب لإسرائيل مباشرة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وإعلان كل زعيم من هؤلاء بأن أمن إسرائيل هو من أمن بلادهم وأمن الغرب عموما؟ كيف يمكن الدعم العسكري المباشر الذي يقدمه الغرب الى إسرائيل، الذي يفترض أنها دولة قوية؟ بل أرسلت الولايات حاملات طائرات ومدمرات إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر، كرادع ضد حزب الله لمنعه من دخول الحرب. موقف الغرب هذا لا يمكن تفسيره سوى باستمرار ممارسات الماضي مثل الاستعمار واتفاقيات سايكس بيكو وزرع إسرائيل وسط الشرق الأوسط للتحكم في المنطقة. يدرك الغرب أنه لا يمكن السماح بهزيمة ولو معنوية أخرى لإسرائيل. يكفي ما حدث في حرب تموز/يوليو 2006، لأن هزيمة إسرائيل أمام المقاومة الفلسطينية، سيعني نهضة غير مرتقبة في العالم العربي، وهو ما لا يريده الغرب في الوقت الراهن. إن هزيمة الغرب في أوكرانيا هي هزيمة جيوسياسية، بكل ما للكلمات من معنى، فهي المنعطف الذي يمنح العنوان لمسيرة طويلة من التطورات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ويتحدث العالم الآن عن بدء نظام عالمي جديد سيتميز بالقطبية بين الصين والولايات المتحدة ليصبح لاحقا عالما بريادة الصين، لاسيما في ظل قرار دول الجنوب التخلص من الهيمنة الغربية. حرب أوكرانيا وحرب الإبادة ضد قطاع غزة هي الحروب التي تدخل في نطاق الحروب الحضارية وليس الصراعات السياسية العادية، من أجل الهيمنة على أراض محددة، أو فقط السيطرة على الجار، إنها حروب ذات أجندة قائمة منذ قرون، تدخل في إطار حرب الحضارات، وهيمنة ثقافات وديانات على أخرى. إذا استعدنا جميع تصريحات المسؤولين الغربيين حول الحربين، سنرى كيف تصب هذه التصريحات في هذا الشأن، حيث تحدث الكثير منهم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن عن مصير الغرب.
علاقة بالعالم العربي، لو قام الصحافيون والمؤرخون العرب بقراءة الوثائق السرية للمخابرات الغربية، التي تتم إزالة الستار عنها، سيكتشفون الواقع الحقيقي لرؤية الغرب نحو العالم العربي والإسلامي، جزء مهم من تاريخ العلاقات بين الغرب والعالم العربي هو تاريخ المؤامرات لتأبيد سيطرة الغرب على الدول العربي، وتجد خير مساعد فساد بعض الحكام العرب. لو خصصت قنوات التلفزيون العربية يوميا، على الأقل خلال هذه الحرب، برامج حول الخطاب الديني في السياسة الغربية في رؤيته للعالم العربي، فمن دون شك سيكتشف الرأي العالم العربي واقعا آخر ومخيفا. زيارات المسؤولين الغربيين لإسرائيل خلال 7 أكتوبر لم تكن سوى تأكيد جديد على التحالف السياسي – الديني للمسيحية -الصهيونية. ولهذا، لن يتحمل الغرب هزيمة في أوكرانيا وأخرى في فلسطين، هذا ما يفسر لماذا هذا الغرب لا يتحرك أمام حرب الجبناء التي تعني القتل والتهجير المتعمد للنساء، خاصة الأطفال، لأن الطفل يعني الاستمرارية. تأملوا ما فعلت الوحشية الإسرائيلية بالأطفال الخدج في المستشفيات، أمام أعين الرأي العام العالمي، لكن التاريخ يفيد بأن مقاومة الشعوب تكون عادة أقوى من مخططات الغرب مهما طال الزمن.