بمجرد قدومه الى رئاسة الحكومة خلال نهاية 2011، وضع الحزب الشعبي المحافظ برنامجا للترويج لصورة اسبانيا أمام المنتظم الدولي، وتبقى المفارقة أنه تحول الى العنصر الرئيسي للإساءة الى صورة البلاد بسبب تورطه في فساد مالي-سياسي لم تشهده اسبانيا من قبل.
ومثل الكثير من الحركات القومية اليمينية التي يتحكم فيها شعور الترويج للوطن لتحويله كمثال ومصدر للقوة والإشعاع، قامت حكومة ماريانو راخوي بتسطير برنامج “ماركا اسبانيا”. ويسيطر هاجس التواجد بين الدول الكبرى المتقدمة على الإسبان وخاصة اليمين الذي نظر دائما بنوع من الغيرة الى جيرانه الأقوياء فرنسا وبريطانيا. ويحن اليمين الى اسبانيا التي كانت القوة الأولى عالميا في القرن السابع عشر قد تراجعها بعد فقدانها مستعمرات أمريكا اللاتينية.
وينص برنامج “ماركا اسبانيا” الترويج للبلاد كقوة صناعية وسياسية وثقافية، وتعتمد في هذا الصدد على مجموعة من الشركات الكبرى في الاتصالات ومختلف الصناعات والأبناك وفرقها الرياضية مثل ريال مدريد والعمل على التواجد في القرارات الدولية الكبرى سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة. ولقيت هذه المبادرة رفضا من طرف هيئات سياسية يسارية التي ترى فيها نوعا من الجنين الإمبريالي والماركتينغ الرخيص.
وحدث ما لم يكن منتظرا، فالحزب الشعبي الحاكم الذي يتزعم هذه المبادرة تحول الى أكبر عامل لضرب صورة اسبانيا في الخارج، وذلك بسبب تورطه في عشرات ملفات الفساد على المستوى الوطني والاقليمي. وتورط في الفساد رؤساء حكومات تابعين للحزب الشعبي ورؤساء بلديات ونواب برلمان ووزراء، وهناك شبهات حول رئيس الحكومة المؤقت نفسه ماريانو راخوي بسبب علاقته مع مسؤول مالية الحزب السابق لويس بارسيناس الذي عثرت الشرطة على حساب له في سويسرا بمبلغ 48 مليون يورو.
ومنذ بداية الحكومة الحالية، بلغ عدد المعتقلين والموقوفين بتهمة الفساد المالي خلال الأربع سنوات الأخيرة سبعة آلاف شخص نسبة عالية منهم من الأحزاب السياسية بل وكذلك شقيقة الملك الأميرة كريستينا.ومن أبرز الموقوفين، المدير السابق لصندوق النقد الدولي ووزير الاقتصاد السابق رودريغو راتو الذي كان الحزب يفتخر به دوليا.
وتعيش اسبانيا يوميا على ملفات فساد جديدة أغلب أبطالها من الحزب الشعبي وتقدر باختلاسات بمئات الملايين من اليورو. وفي الوقت ذاته، كانت أغلب الأخبار حول اسبانيا في الصحافة الدولية أخبار تتعلق بالفساد السياسي والمالي.
ورغم فوزه في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 20 ديسمبر الماضي، ترفض الأحزاب الإسبانية التنسيق مع الحزب الشعبي أو التصويت عليه لأنها تعتبره “حزب الفساد المالي”.
ويعترف وزير الخارجية مانويل غارسيا مارغايو في حوار مع جريدة آ بي سي مؤخرا أن “صورة اسبانيا تضررت كثيرا جراء ملفات الفساد التي طفت الى السطح طيلة السنوات الماضية”. ونسى الوزير أن الحزب الشعبي هو من يسيء الى صورة اسبانيا في الخارج.