بدأت ألمانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي من من اليوم الأربعاء الى غاية نهاية ديسمبر المقبل، كما بدأت رئاسة مجلس الأمن خلال الشهر الجاري في تحد مزدوج لم تواجهه دبلوماسية برلين. وتتزامن مع تحديات كبرى وهي مواجهة تداعيات فيروس كورونا على اقتصاد ووحدة القارة ومحاولة التوفيق بين القوى الكبرى الصين والولايات المتحدة علاوة على تطوير التعاون مع القارة الإفريقية وحل نزاعات إقليمية مثل ليبيا. فهل ستنجح برلين في قيادة السفينة الأوروبية والعالم نحو بر النجاة؟
وكانت رئاسة ألمانيا سابقا للاتحاد الأوروبي قد مرت بدون اهتمام كبير، لكن هذه المرة يختلف الأمر بسبب الملفات المشار إليها علاوة على تزامن كل هذا مع رغبة هذا البلد في لعب دور الفاعل السياسي وليس فقط الاقتصادي في مستقبل البلاد. وكتبت مجلة ذي شبيغل اليوم الأربعاء في موقعها الرقمي أن المستشارة أنجيلا ميركل استقبلت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون منذ يومين لتحديد مستقبل أوروبا بعد الجائحة والدور الأوروبي في العالم.
تصحيح أخطاء التضامن الأوروبي والبريكسيت
ومن ضمن الأخطاء الكبرى التي ترغب ألمانيا تصحيحها هو إعادة التلاحم بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بسبب غضب دول جنوب أوروبا مثل إيطاليا واسبانيا واليونان بعدما انتقدت غياب تضامن الأشقاء في الشمال الأوروبي إبان الجائحة. ومن مخاطر غياب التضامن هو بروز الأطروحات القومية التي ترغب في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وتطبيق سيناريوهات جديدة من البريكسيت. ومن أبرز هذه التحولات هو سياسة إيطاليا التي بدأت تقترب من روسيا وخاصة الصين لتعزيز تنوع اقتصادها.
وكانت ميركل قد تحدثت أمام البرلمان الألماني “بوندستانغ” معتبرة جائحة كورونا التحدي الأكبر في تاريخ أوروبا خلال العقود الأخيرة، ونبهت من انتعاش القوميات، وحاولت إرسال خطاب التضامن الى باقي الأعضاء قائلة “لم يسبق أن كان التضامن والتلاحم بهذا القدر من الأهمية مثل في الظروف الحالية”.
وصرحت بعد لقاءها الرئيس الفرنسي لرسم السياسة الأوروبية المستقبلية “العالم سيكون مختلفا بعد الجائحة، ولهذا سيكون مهما للغاية الاستثمار في المستقبل وفي التحديات الكبرى”. ومن الملفات المستعجلة في الأجندة الألمانية هو التوصل الى اتفاق شامل قبل نهاية الشهر الجاري بشأن كيفية إنشاء وتوزيع 750 مليار يورو لتحريك الاقتصاد الأوروبي، إذ ما زالت بعض الدول مثل هولندا تعارض التصور القائم على هبات بل جزء منها يجب أن يكون قروضا تسهيلية.
ويعد ملف البريكسيت تحديا آخرا، حيث ترغب برلين في التوصل إلى اتفاق مع بريطانيا حول الاتفاقية التجارية وما تبقى من قضايا عالقة بشأن وضعية مواطني الطرفين قبل نهاية ديسمبر المقبل لتفادي طلاق تجاري صعب، لاسيما وأن المفاوضات خلال الستة أشهر الأولى من 2020 لم تسجل أي تطور بسبب الجمود الذي هيمن على العلاقات الدولية نتيجة كورونا فيروس.
صوت قوي بين الصين والولايات المتحدة وروسيا
يعيش العالم خلال السنوات الأخيرة حربا باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة وفاقمت جائحة كورونا من هذه الحرب وترغم الاتحاد الأوروبي على رسم خريطة جديدة لعلاقاتها، وذلك من خلال إعطاء تصور جديد للعلاقات مع الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لأوروبا لكن الرئيس دونالد ترامب أفسد هذه العلاقة. ويوجد رهان كبير في أوروبا على خسارة ترامب للانتخابات. كما ترغب المانيا قيادة العلاقات مع الصين، وبرمجت قمة الاتحاد الأوروبي-الصين خلال سبتمبر المقبل، لكن الجائحة تفرض تأجيلها حتى الآن.
ويعد هذا الملف وفق الخبراء الألمان والأوروبيين الأصعب من نوعه، لأن الصين والولايات المتحدة أكبر شريكين تجاريين ولا يمكن التفريط في أي واحد منهما. ولم ينجح ترامب في جر الاتحاد الأوروبي الى تبني لغة دبلوماسية حربية تجاه الصين لاسيما ألمانيا التي ترغب في علاقات وطيدة مع بكين دون تشنجات الحرب الباردة الجديدة. ولا تخفي المانيا رغبتها في رحيل ترامب، وتعتقد أن سياسة بكين في إحكام قبضتها على هونغ كونع يؤجل الحوار السياسي. وتستحضر المانيا دائما روسيا التي تشكل التهديد العسكري بالأساس.
الملف الإفريقي والليبي
وتعتبر المانيا إفريقيا نقطة محورية في أجندة الاتحاد الأوروبي، إذ ترى في هذه القارة امتداد النفوذ الاستراتيجي تاريخيا للقارة الأوروبية. وترغب في إعادة صياغة العلاقات بين الطرفين القائمة على أسس سياسية صحيحة بعيدة عن مآسي الماضي الاستعماري. وفي صمت، تعتبر المانيا من الدول التي استقبلت نسبة كبيرة من القادة الأفارقة خلال السنوات الأخيرة ورفعت من استثماراتها في عدد من الدول.
ووسط هذه العلاقات، تعتبر برلين الملف الليبي أساسيا، فهو ينتمي الى الجوار المتوسطي والعمق الإفريقي. وعليه، تراهن كثيرا على تحريك توصيات مؤتمر برلين الذي احتضنته خلال يناير الماضي. ويقول عميد الدبلوماسية الألمانية هايكو ماس “ليبيا هو نزاع أخذت فيه ألمانيا على عاتقها دورا رئيسيا كوسيط. والآن نحن بعيدين عن توصيات قمة برلين التي نصت على وضع حد للتدخل الأجنبي. يجب الضغط على الدول التي تهرب أسلحة الى ليبيا ويجب تسميتها بالإسم”.
ورسائة مجلس الأمن
يعد يوليوز الجاري منعطفا في تاريخ الدبلوماسية الألمانية، فمن جهة ترأس الاتحاد الأوروبي ومن جهة أخرى ترأس مجلس الأمن القومي. وتحاول تطبيق جزء من أجندتها الأوروبية في مجلس الأمن وهي محاولة إقناع العالم بضرورة التوافق حول مواجهة كورونا من خلال خطة شاملة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية أساسا. وتواجه في هذا الصدد، المواجهة بين بكين وواشنطن لاسيما في ظل إصرار ترامب على تحميل القيادة الصينية مسؤولية الفيروس ومطالبتها بالتعويض المالي. ثم الرهان على المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمواجهة سياسة الضم التي ترغب إسرائيل في تطبيقها.
ويعترف وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس بالعجز الذي يواجهه مجلس الأمن الدولي في الملفات الشائكة حاليا وهي ليبيا وسوريا وجائحة كورونا، ولهذا ستراهن ألمانيا على ضرورة إصلاح مؤسسات منظمة الأمم المتحدة ومنها طرح رغبة ألمانيا في التحول الى عضو دائم العضوية في مجلس الأمن.