أثارت كلمة الرئيس التونسي منصف المرزوقي بالجمعية العامة للامم المتحدة والتي دعا فيها إلى إطلاق سراح الرئيس المعزول محمد مرسي والمعتقلين السياسيين، انتقادات واستياء حادين من السلطة الحاكمة في مصر. و اعتُبر موقف السلطة المصرية طبيعيا ومناسبا إلى حد ما، بالنظر إلى موقف آخر اتخذه بلد خليجي وهو الإمارات العربية المتحدة ، حيث قررت استدعاء سفيرها لدى تونس، وهاجمت صحفها الرئيس التونسي وكلمته التي وجهها لمصر
ويثير الموقف الإماراتي تساؤلات حول هدف رد فعل “غير متناسب” على كلمة المرزوقي من قبل دولة الإمارات، فيما رأى آخرون انه مؤشر على “بداية التحرش الخليجي بتونس” للتاثير على التدافع السياسي الداخلي، كما فعلت مع مصر ما بعد مرسي. خصوصا وان تونس تحظى بقيمة رمزية كبيرة بالسنبة إلى تجربة الحراك الشعبي الاخذة في التبلور، حيث إن فشلها يعني فشل التحول الديمقراطي الذي انبعث مع زحف الربيع العربي.
وكان الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، الخميس، في كلمة له أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة، قد دعا السلطات المصرية لإطلاق سراح الرئيس المعزول، محمد مرسي وكل السجناء السياسيين.
وقال في كلمته تلك “أريد أن أتوجه للسلطات القائمة في مصر، وأطالبها بأن تطلق سراح الرئيس محمد مرسي وكل السجناء السياسيين” ومضى معتبرا في ذات الكلمة ان هذه المبادرة من شأنها ان تعمل على “خفض الاحتقان ووقف العنف وعودة كل الفصائل إلى الحوار”.
وخلف مضمون كلمة رئيس البلد الذي انطلقت منه الشرارة الأولى للربيع العربي، والتي وجهها لمصر، انتقادات حادة من قبل الحكومة المصرية المؤقتة و وسائل الإعلام المحلية الموالية لها .
وفي هذا السياق أعربت الخارجية المصرية عن “استيائها ورفضها التام” لما ورد في كلمة الرئيس التونسي امام الجمعية العامة للامم المتحدة الموجهة إلى مصر . وقالت الخارجية المصرية في بيان لها جاء ردا على كلمة المرزوقي :” ما ورد في تلك الكلمة بشأن مصر يجافي الحقيقة”، واضاف البيان قائلا:” أن كلمة الرئيس التونسي تلك هي “تحد لإرادة الشعب المصري الذى خرج بالملايين في 30 يونيو مطالبا بإقامة ديمقراطية حقيقية تؤسس لدولة عصرية جامعة لا تقصى أى من أبنائها وهو ما نرجوه للأشقاء فى تونس الذين لا يزال البعض هناك يحاول أن يفرض عليهم نموذجاً بعينه لا يعبر عن واقع وطبيعة المجتمع التونسى السمحة”.
و اعتبر الكثيرون ان رد الفعل المصري على كلمة الرئيس التونسي منصف المرزوقي طبيعي وعادي ومنتظر، في خضم التدافع السياسي الحاد بين السلطة القائمة حاليا في مصر والقوى الأخرى التي جرى عزلها من قبل الجيش. ومهما حمل خطاب رد فعل الخارجية المصرية من استياء ضد تونس فهو يظل في إطاره الطبيعي في ضوء الازمة المصرية الحادة.
غير أن ما لم يكن طبيعا في نظر أولئك المراقبين، هو رد فعل دولة الإمارات العربية المتحدة على الكلمة التي وجها الرئيس التونسي منصف المرزوقي للسلطات المصرية داعيا إياها إلى بادرة إطلاق سراح الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وباقي المعتقلين السياسيين، ضمن مبادرة لحل الأزمة المصرية، وذلك حينما اقدمت على سحب سفيرها من تونس يوما واحدا بعد كلمة المرزوقي بالجمعية العامة للامم المتحدة.
فقد قررت الإمارات العربية المتحدة استدعاء سفيرها بتونس، بعيد الخطاب الذي ألقاءه الرئيس التونسي بالجمعية العامة للامم المتحدة في 26 شتنبر الجاري. ونقلت وكالة الانباء الإماراتية الرسمية تصريحا لمساعد وزير خارجية الإمارات للشؤون السياسية طارق الهيدان جاء فيه:” إن “وزارة الخارجية بدولة الإمارات استدعت سالم القطام الزعابي سفير الدولة في تونس إلى أبو ظبي للتشاور حول المستجدات في العلاقات بين البلدين”.
ووصف القرار الإماراتي بسحب سفيرها من تونس “بالمفاجئ” على الرغم من وجود فتور في العلاقات بين البلدين.
ولم يذكر البيان الإماراتي السبب الحقيقي لسحب سفيرها من تونس غير ان وسائل إعلام رسمية في الامارات العربية وجهت في ذات اليوم هجوما قويا ضد الرئيس التونسي منصف المرزوقي واصفة كلمته بالأمم المتحدة التي وجهها إلى السلطات المصرية ويدعو فيها لإطلاق سراح محمد مرسي والمعتقلين السياسيين، “تدخلا فجا “في الشؤون الداخلية المصرية.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن صحيفة الخليج الإماراتية قد وصفت كلمة المرزوقي بكونها “تدخلا فجا وغير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر” و ” تشكيك في إرادة الشعب المصري ” و” دفاعا مكشوفا عن جماعة بحد ذاتها لا حرصا على الديمقراطية”. وحسب الفرنسية دائما فإن صحيفة الخليج الإماراتية ” دعت المروزقي إلى الالتفات بما تمر به بلاده من حراك جماهيري بدل محاولة تصدير ازمتهم إلى الجيران”.
ويُنظر إلى الموقف الإماراتي من كلمة المرزوقي سواء الذي جاء إشارة من خلال استدعاء السفير الاماراتي من تونس او صراحة من خلال هجمة صحيفة “الخليج” الإماراتية على منصف المروزقي، إلى كونه يتناغم مع موقف هذا البلد الخليجي من البلدان التي شهدت تحولات سياسية مع الربيع العربي، وكانت أبرزَ الدول الخليجية التي أيدت إنهاء حكم الإسلاميين في مصر إلى جانب المملكة العربية السعودية، وقدمت مساعدة مالية سخية للحكومة المؤقتة وللجيش لدعمهما.
وكانت الإمارات ملجأ لعدد من المسؤولين المصريين من رجالات النظام السابق بعد سقوط حسني مبارك، وكانت أبرز بلدان الخليج المناهضة لتحولات الربيع العربي وخاصة تلك التي حملت قوى إسلامية إلى السلطة.
وشككت بعض المعالجات التحليلة للموقف الإماراتي المتمثل في سحب سفيرها من تونس وانتقاد كلمة المرزوقي التي تضمنت دعوة لإطلاق سراح محمد مرسي ومعتقلين سياسيين في مصر، في الأهداف الحقيقية للإجراء الإماراتي و حملة صحفها على الرئيس المروزقي، واعتبرها البعض “بداية تحرش خليجي” ببلد يجتهد في إنجاح تجربة سلطة أفرزتها تحولات الربيع العربي وخصوصا انه البلد الذي انطلقت منه شرارة هذا الربيع، ويجسد قيمة رمزية قوية لمطالب الديمقراطية التي خرجت من اجلها شعوب البلدان التي تعيش الحراك الشعبي.