هل أصاب الذاكرة المغربية النسيان العادي أم النسيان المتعمد؟ إنه تساؤل يطرح نفسه بقوة اليوم 30 مارس الذي يصادف يوم من أسوأ الأيام في تاريخ الأمة المغربية منذ جذورها الأولى أيام الممالك الأمازيغية حتى يومنا هذا، إنه يوم تاريخ توقيع سلطان اسمه حفيظ على استعمار المغرب، أو ما يعرف تلطيفا باسم الحماية 30 مارس 1912.
يوم 30 مارس جرى التوقيع على وثيقة الاستعمار التي بموجبها جرى استعمار البلاد وتقسيمه الى قسمين، الأول تحت سيطرة فرنسا وهو الجزء الأكبر والثاني تحت سيطرة اسبانيا ويتجلى في شمال المغرب ومنطقة الصحراء.
وتاريخ الأمم يكتسي أهمية كبيرة، فهو المرآة وإن كان بطريقة فلاش باك لتفادي تكرار الأخطاء في الحاضر والمستقبل. وعليه، فذكرى 30 مارس، تاريخ استعمار البلاد، يجب أن تكون مناسبة لاستحضار الأخطاء التي أدت الى استعمار المغرب.
حلول ذكرى الاستعمار يجب أن يكون فرصة للمؤرخين (المؤرخين الصادقين وليس أولئك على طريقة ألف ليلة وليلة) والباحثين إعادة دراسة المراحل التي سبقت الاستعمار للوقوف على: لماذا سقط المغرب في يد الاستعمار؟
فقد حدث الاستعمار نتيجة السياسة الخاطئة للمخزن وقتها التي تجلت في إغراق البلاد في الديون والقضاء على أي محاولة للإصلاح السياسي، ومنها مواجهة مبادرة نخبة من مثقفي البلاد سنة 1908 بشأن إصدار أول دستور للمغرب لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ثم قيم المخزن بمنع كل محاولة للانفتاح والاستفادة من التقدم العلمي للنهضة الأوروبية تحت مبرر حماية خصوصيات البلاد.
هذه الذكرى الأليمة هي مناسبة للتساؤل عن السلاطين الثلاث وقتها،عبد العزيز الذي أدى بالمغرب الى الاستعمار بسبب انشغاله بملذات الحياة، وحفيظ الذي رفع راية الإصلاح ووقع على وثيقة الاستعمار، ثم يوسف الذي لم يرفعه صوته عندما كانت قوات الاستعمار تستعمل الغازات السامة في الريف والعتاد المتطور ضد ثورات الوسط والجنوب المغربي. هل يجب الاحتفاظ بالسلاطين الثلاثة في تراتبية ملوك المغرب رغم ما اقترفوه من أخطاء قاتلة في حق الشعب المغربي؟
هذه الذكرى الأليمة هي مناسبة للتساؤل: لماذا مؤرخو ومثقفو وسياسيو دول نجحوا في بلورة وعي يطالب الدول الاستعمارية بالتعويض، بينما أغلب مؤرخي المغرب يتفادون خلق هذا الوعي في صفوف الشعب المغربي لمطالبة فرنسا واسبانيا بالتعويض والاعتذار.
هذه الذكرى الأليمة هي مناسبة كذلك للتساؤل عن الخريطة السياسية للمغرب، منذ الاستعمار لم تكتمل الخريطة الى يومنا هذا، وجيل بعد جيل يعيش المغرب مآسي وتضحيات، يستمر نزاع الصحراء وبدأ ملف سبتة ومليلية يحال على النسيان، ليكون المغرب من الدول القليلة الذي مازال لا يتوفر على خريطة قارة ورسمية أمام المنتظم الدولي.
إن الأمم الواعية هي التي تقبل بدراسة تاريخها بسلبياته وإيجابياته، وهي التي تمتلك الشجاعة لمعالجة تاريخها بدون بثر ولا تستر، هذا الوعي هو الذي سيحول دون تكرار الأخطاء ، أما الصمت وتزييف الحقائق يقود حتما الى وقوع الكوارث.
مع الفارق الزمني، من أسباب سقوط المغرب هناك تأثيرات حرب تطوان سنة 1860 وخاصة المديونية المترتبة عنها، ونتساءل: هل يمتلك المغرب في الوقت الراهن استقلالية تامة لقراره السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل المديونية التي وصلت الى ماي فوق 90% وارتهانه للمؤسسات المالية الدولية التي تملي عليه الكثير من التوصيات-الأوامر؟