تنتظر مختلف الدول في العالم السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب الفائز في الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء من الأسبوع الجاري، ومن هذه الدول المغرب الذي راهن كثيرا على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والآن يجد نفسه أمام دونالد ترامب.
وكان رهان المغرب كبيرا على هيلاري كلينتون، فهي تجمعها علاقات صداقة بالعاهل المغربي الملك محمد السادس. والمثير أنه في حالة ما إذا كانت قد فازت، فستكون المرة الثانية التي فيها رئيس أمريكي يهتم بالمغرب. وكانت المرة الأولى عند تأسيس الولايات المتحدة، حيث كان المغرب أول من اعترف بهذا البلد في نهاية القرن الثامن عشر عندما استقل عن بريطانيا، مما جعل البيت الأبيض والأمريكيين يهتمون بهذا البلد الواقع في الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي واعترف بهم قبل الأوروبيين.
ومن سوء حظ المغرب هذه المرة، فقد جاء ذكرة سلبا في الحملة الانتخابية، المرة الأولى عندما وصف ترامب المغاربة بالإرهابيين، والمرة الثانية عندما تحدث عن أموال منحها لمؤسسة كلينتون ووصفها بأموال فساد ورشاوي وقيمتها الحقيقية 28 مليون دولار.
الصحراء كتابث يخضع للتأويل الأمريكي
وإذا كانت العلاقات الدولية تقوم على توابث، يمكن القول بعدم حدوث أي تغير في إدارة واشنطن تجاه المغرب. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل ثابت من التوابث يخضع للتأويل فوقتها يمكن حدوث تغيير نسبي. ومن ضمن الأمثلة هو عدم تغيير إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما من موقفها من الصحراء، ولكنها شددت على حقوق الإنسان في النزاع واحترام تقرير المصير، الأمر الذي اعتبره المغرب سياسة تآمرية وعدوانية، علما أن إدارة جورج بوش كانت تتبنى الموقف نفسه ولكن بنوع من الليونة. ويرتبط التأويل بنوعية الأشخاص المسؤولين على الإدارة، وفي هذه الحالة ويزر الخارجية الأمريكي ومستشاريه بحكم أن المغرب يهم أساسا الخارجية ونسبيا البنتاغون ولا يحظى بأي اهتمام لدى البيت الأبيض.
وتنتهي فترة ولايتي باراك أوباما في وقت تشهده في العلاقات المغربية-الأمريكية توترا غير مسبوق منذ عهد الديمقراطي جيمي كارتر. وكان الكثير من المحللين المغاربة قد قالوا بتحسن العلاقات في أعقاب زيارة الملك محمد السادس الى واشنطن ولقاءه بالرئيس باراك أوباما خلال نوفمبر 2013. وكانت ألف بوست قد كتبت وقتها أن الزيارة هي بروتوكولية ولم تنفع الكثير العلاقات، ويعود ذلك الى نوعية الأشخاص الذين يسهرون على ملفات مرتبطة بالمغرب، جون كيري في الخارجية وسامنتا بوير في مجلس الأمن، وكلاهما من المتعاطفين مع جبهة البوليساريو. وتنتهي فترة أوباما مع اتهامات الرباط لواشنطن بأنها تريد خلق الفوضى السياسية والاجتماعية في المغرب.
الحزب الجمهوري والمغرب
تختلف الآراء في تقييم سياسة الحزب الجمهوري تجاه المغرب وأساسا ملف الصحراء لأنه الوحيد الذي يهم المغرب ويحضر به في السياسة الأمريكية بين الحين والآخر. ولا نعرف كيف يذهب بعض المحللين المغاربة الى القول بأن العلاقات مع الحزب الجمهوري هي أحسن بكثير من الحزب الديمقراطي. ونسبيا قد يجوز هذا الموقف، لكن في العمق ليس هناك اختلاف. وإبان إدارة جورج بوش، كادت إدارته أن تفرض عبر سفيرها نيغروبونتي يوم 31 يوليوز 2003 مقترح جيمس بيكر في نسخته الثانية، أي أربع سنوات من الحكم الذاتي ثم إجراء استفتاء تقرير المصير، وتدخلت اسبانيا بقوة لقتنع جورج بوش بالتراجع. وكانت مقترخ نيغروبونتي أسوأ ما تعرض له المغرب في مجلس الأمن في ملف الصحراء منذ اندلاع النزاع.
وعليه، لا يمكن التفاؤل كثيرا بوصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض وإبراز مقولة أفلضية الحزب الجمهوري. وعموما، كل ما يهم المغرب من كل الإدارات الأمريكية سواء الجمهورية أو الديمقراطية هو التساهل في بيع الأسلحة وتفهم أكبر في ملف نزاع الصحراء.
تفهم مطالب المغرب : السلاح والصحراء الى أي مستوى؟
وعلاقة بالمطالب المغربية، هناك تفهم في الإدارة الأمريكية ولكن هذا التفهم يرتبط كذلك بنوعية الأشخاص الذين سيتولون منصب مستشار الرئيس في الشؤون الأمنية القومية ومنصب وزارة الخارجية.
وهكذا، فإذا وصل الى منصب وزير الدفاع أو مستشار الرئيس في الشؤون الأمنية القومية الجنرال مايكل فلين فسيطبق تصوره العسكري للعلاقات الخارجية الذي ينص على ضرورة الاهتمام بالحلفاء السابقين وجعلهم يثقون في وفاء الولايات المتحدة. وانطلاقا من هذا، سيكون هناك تساهل في بيع أسلحة بما فيها أسلحة نوعية للمغرب لكي لا يحس نهائيا بالضعف أمام الجزائر ولا يشعر بفارق كبير مع اسبانيا. ويذكر أن إدارة أوباما تحفظت على بيع أسلحة نوعية الى المغرب، وحاول الكونغرس الأمريكي بدعم من الديمقراطيين ربط بيع الأسلحة والمساعدات بملف الصحراء. ويسود الاعتقاد لدى الكثيرين أن إدارة أوباما هي التي باعت للمغرب طائرات ف 16، لكن الذي باع هذا للمغرب هي إدارة جورج بوش.
في الوقت ذاته، الجنرال مايكل فلين لن يجعل من المغرب المخاطب الرئيسي في المغرب العربي وشمال غرب إفريقيا، بل توجد كذلك الجزائر التي بدأت تحظى باهتمام خاص لدى دوائر صناع القرار الأمني والعسكري في البنتاغون. يضاف الى هذا، بدأت الولايات المتحدة تعتمد عسكريا على بعض الدول في غرب إفريقيا ومنها السنغال. فقد وقعت الولايات المتحدة مع السنغال اتفاقية للتواجد العسكري الدائم في هذا البلد الإفريقي. كما تجعل من اسبانيا منصة عسكرية جديدة لمواجهة تطورات المغرب العربي وغرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
وهكذا، سيتم الاهتمام العسكري بالمغرب ولكن ليس كمخاطب في الساحل وليس كمخاطب رئيسي في المغرب العربي لأن البنتاغون يرغب في جر الجزائر الى صفه.
وفي ملف الصحراء قد يكون الأمر صعبا، في هذا الصدد، تفيد معلومات حصلت عليها جريدة ألف بوست أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستستمر في نهج الموقف نفسه في ملف الصحراء، أي عدم الانحياز للمغرب وجعله يقوم بخطوات حقيقية نحو الحل مع استحضار تقرير المصير. وإذا حدث وتولى جون بولتون حقيقبة الخارجية، وقد تحدثت جريدة ذي هيل عن هذا الاحتمال (يوجد مرشح آخر قوي وهو ريتشارد هاس)، فوقتها سيكون الأمر صعب للغاية.
وكان بولتون مساعدا للمبعوث الشخصي للأمين العام في نزاع الصحراء، جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق. وتولى لاحقا منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ما بين سنتي 2005 و2006، وكان قاسيا مع المغرب في المجلس. وألف كتابا حول رؤيته السياسية والملفات التي عمل فيها وهو بعنوان “الاستسلام ليس حلا” وخصص فيه فصلا عن الصحراء دافع فيه عن تقرير المصير، ووجه انتقادات قاسية الى إليوت أبراهام مستشار الأمن القومي لجورج بوش سنة 2006 الذي كان يدافع عن عدم الضغط على المغرب حفاظا على الملكية.
وإذا كان جون كيري المتعاطف مع البوليساريو قد شكل مصدر قلق للمغرب في الصحراء، فبولتون قد يشكل مصدر خطر حقيقي لأنه يؤمن بما يصفه قدسية تقرير المصير. وهذا لا يعني أنه سيغير من موقف الولايات المتحدة بل سيبالغ في تأويل موقفها التابث بشكل يبدو أنه سيكون منحازا.
ولكن إذا تولى ريتشارد هاس عمادة الدبلوماسية الأمريكية، فالأمر سيختلف، فهو سياسي يؤمن بالحوار ولكنه يتشدد في المبادئ، مما سيجعله يضغط على المغرب لكي يقوم بإصلاحات سياسية في الصحراء ويرفع من مستوى احترام حقوق الإنسان.
ما قد يوتر العلاقات بين الرباط وواشنطن
المغرب لا يشكل أولوة في السياسة الأمريكية، والحديث عن المبالغ المالية التي دفعها المغرب الى مؤسس كلينتون لن تؤثر في سياسة الرئيس الجديد ومستشاريه تجاه المغرب. لكن يوجد ملفان قد يكونان مصدر توتر وهما:
الملف الروسي: كل تقارب عسكري بين المغرب وروسيا قد يؤدي الى نوع من القلق في البنتاغون الذي لا يرغب في رؤية أي تسهيلات مغربية للأساطيل الروسية في السواحل المغربية. واهتم خبراء المغرب العربي في الخارجية الأمريكية والبنتاغون خلال زيارة الملك محمد السادس الى موسكو بنوعية الاتفاقيات العسكرية وليس بنوعية الاتفاقيات الاقتصادية.
التنسيق المغربي مع السعودية: الإدارة الأمريكية الجديدة تعتبر سياسة السعودية مشكلة حقيقية في الشرق الأوسط وخاصة في الملف السوري واليمني. ولا يتردد الجنرال مايكل فلين في اتهام البيت الأبيض باتباع سياسة خاطئة أدت الى ظهور داعش، ويوجه انتقادات قوية الى السعودية. وستحاول واشنطن الضغط على السعودية في الملف السوري وأساسا في الملف اليمني. ونظرا لتنسيق المغرب مع السعودية في الملف اليمني وانخراطه في الحرب، فقد يجد نفسه عرضة للانتقادات السياسية وإجراءات قد تكون مباشرة أو غير مباشرة تشمل دول عالصفة الحزم التي تهاجم اليمن.