يغطي النزاع بين المغرب والجزائر على الأزمة الصامتة بين الرباط ومدريد، التي لم تشهد بعد انفراجا، وهي جزء من نزاع أكبر وأشمل يمتد الى النزاع مع بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل، فرنسا وألمانيا، بل حتى مع المفوضية الأوروبية. وهذا يطرح تساؤلا، هل يملك المغرب خريطة طريق بمستقبل العلاقات مع هؤلاء الشركاء الرئيسيين له.
حتى منتصف أغسطس/آب الماضي، كان النزاع المغربي – الأوروبي يحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام العربية والأوروبية، ويستأثر كذلك باهتمام كبير من طرف الرأي العام المغربي أساسا. وفجأة، انفجرت الأزمة الشائكة بين المغرب والجزائر، التي تسجل تراكما للمشاكل الخطيرة إلى مستوى بدء حديث الكثير من مراكز دولية للتفكير الاستراتيجي، عن احتمال نشوب مواجهة عسكرية لن تصل إلى حرب شاملة، لكن قد تكون مناوشات عنيفة. وتزداد خطورة هذه الأزمة لسببين، الأول أنها تتعلق بالمنطقة الوحيدة في العالم العربي التي تشهد استقرارا، لكنها تشهد صراعا على الزعامة بين المغرب والجزائر. وثانيا لغياب الوساطة الدولية إلى مستوى، أن أطرافا في الغرب ترغب في وقوع حرب بين البلدين، بعد أن تعاظمت ترسانتهما الحربية بشكل لافت، وعليه الحرب تعني إنهاك بعضهما بعضا.
هذه الأزمة لا تخفي نهائيا الأزمة الأخرى العويصة، وهي الأزمة المغربية مع دول الاتحاد الأوروبي، إذ تقريبا لا يوجد حوار بين المغرب وعدد من العواصم الأوروبية مثل، برلين ومدريد وباريس ولاهاي منذ شهور، على خلفية الاختلاف في ملفات كثيرة سواء اقتصادية أو سياسية. ولعل عنوان هذه الأزمة هو استمرار سفارة المغرب في مدريد بدون سفير، حيث لا تشير معطيات الواقع الحالي إلى استئناف طبيعي للعلاقات، بعد الهزة التي سجلتها خلال الصيف الماضي، بسبب ملف معالجة زعيم البوليساريو إبراهيم غالي في إسبانيا، أو ترخيص المغرب للآلاف من مواطنيه باقتحام مدينة سبتة المحتلة. تتفاقم هذه الأزمة بسبب شعور الرباط بميل مدريد للجزائر، خلال الشهور الأخيرة بسبب الغاز الذي تصدره الأخيرة إلى إسبانيا. في الوقت ذاته، كان ينظر في المغرب إلى ألمانيا كدولة يمكن تطوير العلاقات معها مستقبلا، بسبب القوة السياسية التي تكتسبها في الساحة الدولية، لكن الاختلاف بين الرباط وبرلين يتفاقم، نظرا لموقف ألمانيا من نزاع الصحراء، وتعد ألمانيا من الشركاء الغربيين الرئيسيين الذين يعارضون سيادة المغرب على الصحراء، ثم ملف التنسيق الأمني في قضية المواطن المغربي -الألماني محمد حاجب. وتمر العلاقات في الوقت الراهن ببرودة تامة يعكسها تجميد زيارات المسؤولين ولو من الدرجة الثانية بين البلدين. وفي الوقت ذاته، تسجل العلاقات بين الرباط وباريس غياب زيارات متبادلة منذ قرابة السنة، ولم يحدث مثل هذا الوضع سوى في أزمة 2014 بين البلدين، بسبب ملاحقة القضاء الفرنسي وقتها لمسؤولين مغاربة، ثم أزمة كتاب «صديقنا الملك» للكاتب جيل بيرو، بداية التسعينيات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني لمضمونه القوي حول الملك. وتعود الأزمة الحالية إلى فرضية تجسس المغرب على المسؤولين الفرنسيين بواسطة برنامج بيغاسوس الإسرائيلي، وهو ملف تتعامل معه فرنسا بحساسية كبيرة جدا، وبين نفي مغربي وتشكيك فرنسي، تبقى العلاقات معلقة في انتظار انصهار الجليد الذي يعتريها.
ويستمر ملف الصحراء في التأثير في نوعية العلاقات بين المغرب وشريكه الرئيسي الاتحاد الأوروبي. ومنذ قرار المحكمة الأوروبية بطلان اتفاقية الصيد البحري بين المغرب ومجلس أوروبا، وتحفظ البرلمان الأوروبي على تصرف المغرب في أزمة الهجرة في سبتة المحتلة خلال مايو/أيار الماضي، فقدت العلاقات الثنائية الحرارة التي كانت تميزها. وتوتر علاقات المغرب مع أوروبا سواء على مستوى الدول مثل إسبانيا وألمانيا وفرنسا، أو المؤسسات الأوروبية مثل البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، يطرح تحديا كبيرا على دبلوماسية هذا البلد المغاربي: هل يتوفر على خريطة طريق لمستقبل هذه العلاقات؟ منذ أربع سنوات، طرح المغرب إبان قرار المحكمة الأوروبية إلغاء اتفاقية الصيد البحري البحث عن بديل للأوروبيين، وتناسلت الكتابات في هذا الشأن، لكنها لم تكن منطقية وغلب الحماس الوطني على الكثير منها لسببين وهما:
في المقام الأول، رغم انتماء المغرب الى العالم العربي والإسلامي والقارة الافريقية، يعد الغرب شريكه الرئيسي سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري. وبالتالي، البحث عن شركاء جدد يعد أمرا صعبا، لاسيما في ظل الاستقطاب الحالي بعد عودة حرب باردة من نوع جديد.
في المقام الثاني، لا يستطيع المغرب التخلي عن الغرب لأن 65% من مبادلاته الاقتصادية والتجارية تجري مع المغرب، خاصة دول الاتحاد الأوروبي وبشكل محدود مع الولايات المتحدة. فمهما حاول المغرب تغيير دبلوماسيته، سيجد نفسه رهينة العامل الاقتصادي، وهذا سيستمر لمدة عقود طويلة، لأنه ليس من السهل والبساطة العثور على شركاء جدد يعوضون فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا اقتصاديا.
المغرب يواجه تحديا حقيقيا في دبلوماسيته مع شريكه الرئيسي، أي أوروبا. فهذا الشريك يتردد في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وهذا العامل يفجر العلاقات بين الحين والآخر بين الطرفين. كما تشهد أوروبا ظهور جيل جديد من السياسيين والأحزاب، سواء اليمين القومي المتطرف، أو اليسار الراديكالي التي بدأت ترهن القرار الأوروبي بشكل متصاعد في قضايا كثيرة ومنها المغرب. ويبدو أن دبلوماسية الرباط، إما لم تستوعب هذه المستجدات بالشكل الكافي الأمر الذي يجعلها تعمل وفق بوصلة قديمة، أو تعتمد على آليات ميكانيكية في العصر الرقمي، أو مترددة في التعامل مع هذه المستجدات وفق خريطة طريق جديدة.