قرر الكونغرس الأمريكي الاستماع إلى كل المسؤولين الحاليين أو السابقين الذين لديهم معلومات حول ظاهرة «الأجسام الطائرة غير المعروفة» والمشهورة بـ»الأطباق الطائرة». ويبدو أنه بدأ سباق بين الدول الكبرى حول هذا الموضوع. وتبقى الولايات المتحدة هي الرائدة حتى الآن، لاسيما بعد اعتراف تلميحي من قبل «ناسا»، وهذا الاهتمام قد يكون بسبب مرحلة جديدة قد تشهدها البشرية.
عاد موضوع الأطباق الطائرة إلى واجهة الأحداث بعدما صرح ديفيد غروش الموظف السابق في الاستخبارات العسكرية، الذي كشف الشهر الماضي كيف نجحت الولايات المتحدة في السيطرة على بقايا سفن فضائية جاءت من كواكب أخرى، وترفض الكشف عن هذا المعطى. وتلقى ديفيد غروش دعما من عدد من النواب ومنهم الجمهوري ماركو روبيو. وتقدم زعيم الأغلبية الديمقراطية السيناتور شوك سومر باتفاق مع الحزب الجمهوري والبيت الأبيض وهيئة الأمن القومي بمشروع قانون ينص على ضرورة بحث ما صدر عن عميل الاستخبارات العسكرية. وفسرت الصحافة أن السيناتور يؤيد الكشف عن هذه المعطيات، ذلك أن جملة في نص مشروع القرار تقول «للجمهور الأمريكي الحق في معرفة التقنيات مجهولة المصدر والذكاء غير البشري والظواهر غير المبررة».
ويأتي هذا التطور بعدما قرر الكونغرس الاستماع إلى ست شخصيات لديها معطيات مهمة حول هذا الموضوع في جلسات قريبة، وعلق المدير السابق للاستخبارات الفرنسية ألان جويي في قناة «سي نيوز» الفرنسية منذ أيام أنه تجري تطورات في هذا الملف وقد نتفاجأ بوجود شيء ما، وذلك في إشارة إلى احتمال بدء تقديم معطيات حول حضارات فضائية. وأصبحت الولايات المتحدة تتعاطى بجدية مع الموضوع، فقد أنشأ البنتاغون رسميا خلال أبريل/نيسان 2022 لجنة لدراسة هذه الأجسام الطائرة المجهولة، التي تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي.
وبدورها، أنشأت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» لجنة خلال يونيو/حزيران 2022 لإجراء دراسة علمية لهذه الظاهرة. كما ركزت «ناسا» على الجانب الديني باستدعائها مجموعة من رجال الدين لكي يقدموا تصوراتهم في حالة ما إذا زارت حضارات فضائية هذا الكوكب. وأخذ هذا الموضوع قوته خلال الثلاث سنوات الأخيرة بسبب شهادات ربابنة الطائرات المقاتلة التابعين للبحرية الأمريكية، إذ أكد أكثر من ربان صعوبة أن تكون تلك الأجسام الطائرة المجهولة من صنع بشري، نظرا لتفوقها التكنولوجي المذهل. وبعدما تناولت جرائد من حجم «نيويورك تايمز» وبرنامج «60 دقيقة» الموضوع بجدية ونشرت أشرطة فيديو تعود للبحرية الأمريكية تبرز هذه الأجسام المجهولة، وقرر الكونغرس الأمريكي الاستماع إلى شهادات مسؤولين، ثم إنشاء كل من البنتاغون و»ناسا» هيئات لدراسة الظاهرة.
لعل المنعطف المهم هو بدء العلماء الاهتمام بهذه الظاهرة، وكتب كل من رافي كوبرابو وهو من العلماء المخضرمين لوكالة ناسا يدرس الحياة في الكواكب الأخرى، وجاكوب هاك المكلف بإعداد الدراسات حول تهيئة الحياة في المريخ وكواكب أخرى، مقالا في مجلة «ساينتفيك أمريكان» خلال يوليو/تموز 2020 يشددان فيه على ضرورة معالجة العلماء لظاهرة «الأطباق الطائرة» وتشكيل فريق مكون من مختلف العلماء والتخصصات، لأن الموضوع أصبح يفرض نفسه بعدما عجز الجميع عن تقديم تفسير منطقي لبعض الأجسام الغريبة الموجودة في الفضاء.
ويعتبر موضوع الأطباق الطائرة ضمن الأسرار الكبرى التي تشرف عليها لجنة جد مصغرة في الولايات المتحدة، وكان مدير المخابرات الأمريكية الأسبق جون برينان (2014-2017) قد اشتكى بدوره في شريط وثائقي سنة 2020 أنه يجب التعامل بالشفافية الكافية في هذا الملف. وكان يعني بضرورة انفتاح اللجنة التي تشرف على هذا الملف إشراك باقي مؤسسات الدولة ومنها، الاستخبارات مثل «سي آي إيه» في المعلومات. توجد هيئتان لديهما أعلى نسبة من المعطيات حول الأجسام الطائرة المجهولة المصدر التي تجوب الفضاء وتتعلق بمؤسسة نوراد NORAD التي تقوم بحماية الأجواء في شمال القارة الأمريكية وجزء مهم من العالم، وتمتلك رادارات متطورة للرصد الجوي والفضائي. وتوجد هذه الهيئة في جبل شايين في ولاية كولورادو ورخصت لبعض أفلام حول الفضاء مثل «ستارغايت» و»إندبنسداي» التصوير في بعض مبانيها». وتفيد المصادر بتوفر هيئة أخرى وهي الوكالة الوطنية جيوفضائية NGA التي تتولى مراقبة جزء مهم من مناطق العالم، وتتوفر بدورها على رادارات وأقمار اصطناعية في غاية التطور. وتعد الولايات المتحدة أول دولة تعالج بشكل علني هذه الظاهرة، وهناك دول أخرى أجرت جلسات خاصة في البرلمان حول الموضوع مثل البرازيل، وأنشأت تشيلي والأورغواي والأرجنتين هيئات تابعة لسلاح الجو تدرس هذه الأجسام الغريبة. في الوقت ذاته، تعترف الصين بأنها تولي أهمية قصوى للأطباق الطائرة شأنها شأن روسيا. وتوجد ثلاثة عوامل رئيسية تجعل من موضوع الأجسام الغريبة في الفضاء، حاضرا في الأجندة العلمية والأمنية للدول الكبرى، بل باقي العالم بشكل تدريجي وهي:
في المقام الأول، اليقين التام بأن لا حضارة بشرية وراء هذه الأجسام التي تتوفر على تكنولوجيا مذهلة، ويعترف أكبر العلماء أن لا دولة مهما بلغت من العلم قادرة على التفوق بآلاف السنين من التقدم على أخرى، إذ أن الولايات المتحدة تتفوق بسنوات محدودة مقارنة بالصين وروسيا.
في المقام الثاني، بدء مجموعة من العلماء التفكير بمفاتيح مختلفة وتتجلى في رؤية الكون من منظار حضارة تقدمت على الأقل مئة ألف سنة علميا، بينما البشرية الحالية بالكاد لديها عقود محدودة في غزو الفضاء.
في المقام الثالث، الانبهار بالمعطيات التي يتوصل لها العلماء تدريجيا وهي شساعة هذا الكون الذي يضم مليارات المجرات، وكل مجرة تضم مليارات النجوم التي تدور حولها كواكب، بل بدأ التفكير في احتمال وجود أكوان أخرى. ولا يمكن لهذا الكون أو الأكوان ألا يشمل حضارات فضائية.
الدول المتقدمة علميا هي التي تنكب على دراسة هذه الظاهرة، بينما جزء مهم من باقي العالم بمن فيهم العرب ما زال ينظر إليها من زاوية دينية، أو نظرية المؤامرة، لا تختلف كثيرا عن رؤية رجال دين الكنيسة الذين أحرقوا جيوردانو برونو سنة 1600 لأنه قال بكروية الأرض.