قال الدكتور سعد العثماني، وزير الخارجية والتعاون المغربي رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، إن المغرب عاش «ربيعه العربي» بطريقته الخاصة، وقام بإصلاحات سياسية في ظل الاستقرار واستمرار سياسته الدستورية، مؤكدا أن استباق الملك محمد السادس باقتراح دستور «جريء» هدأ الأمور، وفتح الباب للإصلاحات، واصفا المعركة ضد الفساد بالمسلسل الطويل، وأنها ليست معركة يوم واحد أو سنة واحدة.
جاء ذلك ضمن حوار أجرته «الشرق الأوسط» مع العثماني في فيينا، إبان مشاركته في المؤتمر الدولي للأمن النووي، الذي استضافته الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيرا بمقرها بالعاصمة النمساوية. وبخصوص اتهام وزارة الخارجية الجزائرية للمغرب باستهداف الجزائر بالمخدرات، إلى جانب شكاوى حول «حرب التهريب» بين البلدين، قال العثماني: «هذا كلام غير صحيح، واتهام لا يستند إلى أساس. فالحدود مغلقة، وإذا كان هناك تهريب فمن يسمح بمروره؟ ثم إن المغرب هو الذي يتعرض لتهريب كثير من المواد بدءا من البنزين، وانتهاء بالأدوية النفسية المسببة للإدمان التي أغرقت أسواق شرق المغرب».
وفيما يلي نص الحوار..
*يواجه حزبكم اتهامات باحتكار القرارات داخل الحكومة رغم كونها حكومة ائتلافية، مما يعتبره البعض سلطوية غير مبررة.. ما تعليقكم؟
– هذا أمر يقوله أشخاص معروفون، وبالتالي أنكره ونفاه أعضاء أحزاب أخرى مشاركة في الحكومة. وتحدث الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية والأمين العام لحزب الحركة الشعبية وهما حزبان مشاركان في الائتلاف الحكومي، عن ذلك ونفياه. إن من وجهوا هذه الاتهامات ليسوا أعضاء في الحكومة حتى يحكموا على حقيقة الأمور، وكثير من القرارات التي يتحدثون عنها هي قرارات اتخذها وزراء من أحزاب أخرى.
*ماذا عن اتهام الحكومة بالخوف وهي تحارب الفساد، وأنها تملأ المغرب ضجيجا كلاميا وليس عملا؟
– إن المعركة ضد الفساد ليست معركة يوم واحد أو سنة واحدة، وإنما منهجية في العمل تهدف إلى تحقيق تغييرات في نمط اختيار المسؤولين، ونمط اختيار الملفات الاجتماعية والسياسية، وبالتالي هناك كثير من المسؤوليات التي بوشرت بنزاهة. لقد أصبح التغيير يخضع لمقتضيات قانونية واضحة نلتزم بها، وبطبيعة الحال نظن أننا نعمل بنسبة عالية من الشفافية، وحتى إذا وقع أي خلل فيمكن للمتضرر أن يرجع للقضاء الإداري المعروف بنزاهته عموما، ومعروف أنه أصدر كثيرا من القرارات ضد الإدارة وضد الحكومة، وبالتالي هناك ضمانات متعددة على مستويات مختلفة. وهذا نموذج للمكافحة العملية للفساد في الإدارة، لكن مكافحة الفساد بشكل عام هي مسلسل بدأ منذ سنوات قبل هذه الحكومة، ويحتاج لوقت كاف.
*يبدو أن قرار انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة لا رجعة فيه، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مال الغالبية الحكومية الحالية، وحول موعد التعديل الحكومي أو استقالة الحكومة أو ربما الدعوة لانتخابات مبكرة.. كيف تنظرون إلى ذلك؟
– لا شك أن هناك مشكلات، ولا يمكن أن ندعي أن كل شيء يسير على ما يرام. فعلا أعلن حزب سياسي داخل الائتلاف استقالته من الحكومة، لكنه لم يقدم عمليا هذه الاستقالة، وبقيت الحكومة تشتغل بطريقة عادية. الآن ليس هناك تعديل حكومي على الطاولة، لكن إذا ما قدم حزب الاستقلال المعني استقالته فإن التغيير وارد.
*يرى البعض أن مصطلح «المغرب العربي»، الذي لا يزال سائدا، لم يعد متماشيا مع الدستور المغربي الجديد، الذي ينص على أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية بجانب اللغة العربية؟
– أوافق تماما هذا الرأي.. ففي دول الاتحاد المغاربي يوجد كثير من الأمازيغ. وفي المغرب يشكل الأمازيغ أغلبية، كما أن الدستور الجديد يتحدث عن المغرب الكبير، ويعتبر الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، لذلك دعوت من قبل أن نكتفي باسم الاتحاد المغاربي، فهو يفي بالمراد.
*هناك من يخشى أن يتحول الصراع بسبب «عرب وأمازيغ» إلى صراع شبيه بما حدث بين الشمال والجنوب في السودان والسنة والشيعة في العراق مثلا؟
– ليس كذلك.. إن التلاحم بين العرب والأمازيغ قوي ومستمر عبر التاريخ، وكثير من القبائل المغربية الأمازيغية تعربت، والعربية تأمزغت. الواقع اليوم أن هناك نقاشا حتى داخل المجتمع المغربي. وهو نقاش بدأ منذ ثلاثة أو أربعة عقود، ومتأكد أنه سيكون إيجابيا، وسيؤدي لتطوير الأمازيغية وإنصافها ولا أظن أن أي مغربي سيكون ضد ذلك.
*وجهت وزارة الخارجية الجزائرية اتهاما مباشرا للمغرب باستهداف الجزائر بالمخدرات، إلى جانب شكاوى حول «حرب التهريب» بين البلدين.. ما تعليقكم حول مستجدات نزاع الصحراء، وملف العلاقات المغربية – الجزائرية؟
– هذا كلام غير صحيح، واتهام لا يستند إلى أساس. فالحدود مغلقة، وإذا كان هناك تهريب فمن يسمح بمروره؟ ثم إن المغرب هو الذي يتعرض لتهريب كثير من المواد بدءا من البنزين، وانتهاء بالأدوية النفسية المسببة للإدمان، التي أغرقت أسواق شرق المغرب.
*إلى متى ستظل الحدود مغلقة بين المغرب والجزائر؟
– سؤال جيد يجب توجيهه للإخوة الذين أغلقوها، ومن جانبنا فإن الحدود مفتوحة.
*هناك حديث عن سعي لتجنيد مغاربة للقتال إلى جانب جيش النصرة في سوريا، إضافة إلى وجود حديث عن جمع أموال باسم «الجهاد»، ما تعليقكم؟
– هذا أمر موجود في كثير من دول العالم الإسلامي، ولا شك أنه أصاب المنطقة المغاربية أيضا. وقد قلنا، وقال الائتلاف الوطني للمعارضة السورية، إن السوريين لا يحتاجون إلى مقاتلين، ولكن يحتاجون إلى الدعم. والمغرب قدم دعما سياسيا متواصلا للشعب السوري في الجامعة العربية وفي المنظمات الأممية، وخصوصا أنه كان عضوا في مجلس الأمن. كما قدم الدعم الإنساني من خلال دول الجوار أو من خلال المفوضية السامية للاجئين. وأذكر هنا بالمبادرة الإنسانية الرائعة للملك محمد السادس بإقامة مستشفى ميداني بجوار مخيم الزعتري لتقديم العلاج للاجئين هناك. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المستشفى يراجعه يوميا ما بين 400 و500 شخص، ويحتوي على غرفة عمليات، وغرفة توليد، ويؤطره أكثر من 20 طبيبا في مختلف التخصصات الطبية.
*ماذا يعني لكم تعبير «الربيع العربي»؟
– هذا مصطلح أطلق على الثورات التي وقعت في المنطقة، والتي لم تنته بعد إلى حالة توازن واستقرار.
*وماذا عن «ربيع المغرب»؟
– المغرب عاش ربيعه بطريقته الخاصة، وقام بإصلاحات سياسية في ظل الاستقرار، وفي ظل استمرار سياسته الدستورية. صحيح أنه عرف حراكا شعبيا بداية عام 2011، لكن الطريقة الاستباقية الحكيمة التي تعامل بها الملك محمد السادس من خلال اقتراح دستور جريء هدأ الأمور وفتح باب الإصلاحات.
*امتصت خطوات الملك الإصلاحية غضب الشارع.. أود معرفة ماذا تحقق على الأرض حتى الآن من إصلاحات؟
– هناك كثير مما نفذ، وهناك أمور لم تنفذ بعد، وكثير من الإصلاحات جعل لها الدستور الجديد أجلا يمتد خمس سنوات، لكونها معقدة وتحتاج لدراسات ومشاورات، مثلا إخراج قانون تنظيمي للنهوض بالأمازيغية يحتاج لإعداد أرضية، وفتح نقاش وطني موسع قبل إصداره، ونرجو أن تسرع الحكومة في ذلك.
*مع تولي بعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مقاليد الحكم، ظهرت شعارات تقول إن «الإسلام هو الحل»، بينما ينادي آخرون بأن العلمانية هي الحل.. ما رأيكم؟
– هناك من يقول إن هذه شعارات وليست برامج، والمطلوب هو أن تتجاوز الأحزاب السياسية الشعارات الآيديولوجية إلى البرامج العملية.
*وماذا عن حزبكم؟
– نزلنا ببرامج سياسية واقتصادية محددة، وليس برامج دينية، وكون أن الحزب ينطلق من مرجعية إسلامية ليس معناه أنه لا يعتمد الدراسة الموضوعية لاقتراح الحلول المناسبة للإشكالات الاقتصادية والاجتماعية.
*المتتبع للأحزاب التي كانت إبان وجودها في صفوف المعارضة ترفع شعارات إسلامية، سواء في مصر أو السودان أو تونس أو المغرب، يلاحظ أنها ما إن تصل إلى الحكم حتى تنشط من أجل تثبيت «الأخونة» و«التمكين» و«الاستقطاب» واحتكار السلطة وعزل الآخر؟
– ليس من المعقول جمع كل الأحزاب كـ«خردة» واحدة.. إن السياق المغربي مختلف، وكل بلد له سياقه الخاص. وتوجيه الاتهامات هكذا جزافا موقف غير موضوعي وغير واقعي. الديمقراطية لها قواعد على أساسها تتصرف الأحزاب في مختلف الدول الديمقراطية، واحترامها ضروري.