الذئبة المسلمة” هو عنوان كتاب آمال الأطرسي، من أصول مغربية، جمعت فيه مذكراتها عن الفقر ومعاناتها في أسرة مهاجرة في فرنسا قادتها إلى الجريمة والسجن. كما تنتقد معاملة أبيها لها ومنظوره الاجتماعي والثقافي المحدود.
ولدت آمال في حي عمالي بإحدى المدن الفرنسية، لم تكن تحلم يوماً أن تصبح كاتبةً أو أن تنشر مذكرات عائلية تشكل نوعا من الاعتراف الصادم، ويكون فيه المتهم الأول والدها، الذي كان يكرهها وينعتها بالعاهرة فقط لأنها “لم تكن ذكراً”. في كتابها نقرأ: “كان أبي يرغب في أن يرزق بابن وليس ببنت. قال لأمي بعد ولادة أختي الكبرى وهي لا زالت في المستشفى: أنا متذمر، كان عليك أن تنجبي ولداً، لم تف بوعدك لي”. وقد تحولت الكراهية التي تكنها الفتاة لأبيها إلى عقدة لدى آمال ولدى أختها الكبرى: “لقد نجح أبي في إقناعنا بأن المرأة تشكل عقدة نقص، فبدأت أمارس هوايات الذكور وكنت أتخاصم مع الآخرين مثلهم لأدافع على نفس”.
طفولة عنوانها الحرمان
ترعرعت آمال وإخوتها في ظروف قاسية، عنوانها الحرمان والفقر بسبب جشع أبيها وسوء معاملته لهن بشكل يشبه معاناة ما تحدث عنه كافكا بسبب والده. كان والد آمال “يرسل كل أمواله لعائلته في المغرب، بينما يحرم أطفاله من كل شيء”. لم يكن أمام آمال خيار آخر غير القيام بالسرقة انتقاماً من ذلك الحرمان. “كنت أسرق ملابس رياضية غالية، لم أكن أفعل ذلك لأنني أحب الرياضة، بل لأنني كنت في حاجة إلى نقود. كنت أهدي ما أقوم بسرقته لأخوتي وأقول لهم “أنا بابا نويل”، وكنت سعيدةً جداً بذلك لأنني كنت أُدخل الفرحةَ إلى قلوبهم”.
هربت آمال مع أختها وأخيها إلى باريس، بعيداً عن الأب، لكن الشرطة وضعت حداً لمغامرات المراهقين، وأعادتهم إلى البيت. بعدها قرر الأب نفي ابنتيه إلى مدينة الرباط “لإعادة تربيتهن” وانتزع منهن جوازات السفر. وفي الرباط تعرضت آمال للاغتصاب لتصبح منبوذةً من طرف الجميع. وكاد جرحٌ في جسدها أن يؤدي بها إلى الموت لولا نجاحها في العودة إلى فرنسا متخفية وبدون أوراق هوية، بعد عام ونصف من “المنفى القسري” في سجن العائلة بالعاصمة المغربية الرباط.
استنتاج من قصص كليلة ودمنة
في حديث مع موقع DW عربية حول معانتها وما نشرته في كتابها تقول آمال الأطرسي ” دخلت السجن لأول مرة عندما كان عمري تسعة عشر سنةً، وحينها زرتُ طبيبا نفسانيا، وخلال أول جلسة معه استنتج أن الوضع الصحي لنفسيتي جيد، وسألني عن سبب ارتياحي من وجودي في السجن. فأخبرته بأنني كنتُ أعيش في عذاب خارج السجن، وبأن السجن أريح لي”.
وتضيف آمال: “لم أكن أرغب في إخبار الطبيب بتفاصيل معاناتي الشخصية والعائلية لأنني لم أكن حينها مستعدة لذلك، فنصحني بكتابة مذكرات يومية أدون فيها ما أعايشه، وهكذا بدأت بالكتابة”. وتؤكد آمال أن حالتها ليست معزولةً فهي تعرف “العديد من الفتيات في فرنسا اللواتي عانين من سوء معاملة الأب أو الإخوة “.
وعن الدلالة من عنوان الكتاب تقول آمال: “كنت بصدد قراءة حكاية أطفال لابنتي الصغيرة حول ذئبة ودودة وحنونة تعيش مع أطفالها، وكانت تصبح شرسةً كلما حاول أحد الاقتراب من بيتها أو المس بسلامة أطفالها. وبعد ما انتهيت من قراءة الحكاية استنتجت أنني أشبه في طبيعتي تلك الذئبة، فأنا أيضا حنونة، غير أني أصبح شرسةً عندما يمس أحد بكرامتي أو بكرامة أبنائي الأربعة خصوصاً البنات منهم”.
أخطاء بسبب الخلفية الثقافية المحدودة
بداية لم ترحب الأسرة بإصدار المذكرات واعتبرتها شكلا من “قلة الحياء” تجاه الأب، وتشير آمال إلى أن أسرتها قاطعتها واعتبرتها عدوا لها، عدا أحد إخوتها الذي قدم لها الدعم. وتستدرك آمال أن والدها عبر لها أخيرا عن رغبته في الاعتراف بأخطائه ومساندتها، حيث إنه يتصل بها يوميا ليؤكد لها فخره واعتزازه بها، كما يحاول أن يشرح لها الأسباب التي دفعته لمعاملتها بتلك القسوة، مشيرا في ذلك إلى خلفيته الاجتماعية والثقافية المحدودة.