قرر الغرب تزويد أوكرانيا بالدبابات المتطورة لمواجهة الغزو الروسي، ويأتي هذا المستجد بعد قرار واشنطن تزويد هذا البلد بمنظومة الدفاع المتطورة الباتريوت. ويبقى السؤال: هل ستغير هذه الدبابات من مجرى الحرب؟
في هذا الصدد، قررت الدول الغربية تزويد أوكرانيا بكل من دبابات أبرامز الأمريكية وتشالنجر البريطانية وليوبارد الألمانية لوكلير الفرنسية. ويشكل هذا منعطفا كبيرا لأنه يبرز مدى انخراط الغرب تدريجيا في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. والدول الغربية التي ستقوم بتزويد أوكرانيا بالدبابات وخاصة ليوبارد هي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وبولندا والبرتغال وإسبانيا والدنمرك والنروج وجمهورية التشيك وبلغاريا وفرنسا وهولندا، هذه الأخيرة التي تمتلك 450 دبابة من هذا النوع أي ضعف المانيا التي تقوم بإنتاجها. وقد يصل عدد الدبابات التي ستتوصل بها أوكرانيا ما يفوق المائة خلال أبريل المقبل، وهذا يعني قوة نارية لا بأس بها.
غير أن أوكرانيا لن تتوصل بالدبابات الآن، بل بشكل تدريجي وقد يتطلب الأمر شهورا لاسيما الدبابات الأمريكية أبرامز، ويتكرر هذا مع منظومة الدفاع باتريوت الأمريكية التي قد يحصل عليها الجيش الأوكراني بعد الصيف، وهناك احتمال نهاية السنة الجارية أو المقبلة. وكان الجنرال مارك هرتلينغ القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا قد صرح لقناة سي إن إن “قد نرى دبابات ليوبارد في أوكرانيا في ظرف شهرين، ولكن تزويد الجيش الأوكراني بدبابات أبرامز سيتطلب ما بين ستة أشهر إلى ثمانية أشهر”.
تأخر توصل أوكرانيا بالدبابات سيجعلها في موقف أضعف بكثير، غير أن السؤال الجوهري: هل يمكن لهذه الدبابات تغيير الوضع في ساحة الحرب؟ في البدء، إذا توفرت أوكرانيا على مائة دبابة متطورة، فستمتلك قوة نارية كبيرة، لكنها ليست كافية للتأثير على مجرى الحرب. في هذا الصدد، أكد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ الأربعاء من الأسبوع الجاري أن “شحنة الدبابات الحديثة إلى أوكرانيا التي أعلنت عنها الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة يمكن أن تغير الحرب ضد روسيا”.
غير أن تصريحاته تبقى سياسية بالدرجة الأولى، وتنقل وكالة أسوشيتد برس عن ميراندا ميرون من شعبة الدفاع في “كينغ كوليج” اللندني أن “إرسال الدبابات هو خطوة سياسية أكثر منها عامل لتغيير الحرب”. ومن زاوية سياسية دائما، قرار إرسال الدبابات يؤكد وحدة الحلف الأطلسي والغرب عسكريا، كما أن إرسال الدبابات وخاصة ليوبارد يعني كذلك انتقال المانيا إلى مستوى آخر من الالتزام العسكري في الحرب الآن ومستقبلا للتخلص من عقدة الحرب العالمية الثانية. ما يتم اعتباره وحدة الغرب عبر الحلف الأطلسي، تعتبره روسيا تورطا مباشرا للحلف الأطلسي في الحرب، وقد يفاقم الأوضاع العسكرية بشكل مقلق.
من زاوية عسكرية، لا يمكن نسبيا الاستهانة بما يفوق مائة دبابة متطورة لأنها تمنح قوة نارية هائلة ومتحركة، لكن لا يوجد توقيت زمني واضح للتدريب واستعمالها، وبالتالي لا يمكن للدبابات المساهمة في مواجهة القوات الروسية إذا أرادت شن هجوم خلال الثلاثة أشهر المقبلة، علما أن الغرب يتخوف من هجوم روسيا شامل نهاية مراس/آذار المقبل. في الوقت ذاته، في حالة استعمال هذه الدبابات، قد تفيد في عرقلة التقدم العسكري الروسي في بعض المناطق وليس على طول الحدود.
وعودة الى الوضع الحقيقي للحرب، لقد سيطرت روسيا على ما يقارب مائة ألف كلم مربع، وهي دونتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا، أي الشرق الأوكراني بالكامل تقريبا. وهي تعمل على تمشيط ما تبقى تحت سيطرة الجيش الأوكراني، ثم إبعاد هذه القوات عن شرق البلاد. وبالتالي فهي لم تعد تهاجم بريا إلا لإبعاد القوات الأوكرانية، بالموازاة مع تنفيذ ضربات ضد العاصمة وغرب البلاد عن طريق الجو عبر الطائرات المسيرة وكذلك الصواريخ.
في هذه الحالة لن تنفع الدبابات الجيش الأوكراني في تحقيق تقدم ملموس في جبهة القتال. ولم تعد الدبابات تنفع في مواجهة طيران متقدم أو قوات خاصة متدربة بشكل كبير. وكان حزب الله قد أعطب ودمر وأخرج من المواجهة عشرات من دبابة ميركافا الإسرائيلية في حرب تموز 2006. ونجحت القوات الأدربيحانية في القضاء على الدبابات الأرمينية سنة 2020 بفضل طائرات الدرون التركية. ونجح الدرون التركي بيرقدار في ضرب معظم الدبابات التي كان يستعملها الماريشال حفتر في ليبيا. وخسرت الإمارات العربية الكثير من الدبابات في حرب اليمن. كما أن القوات الخاصة الأوكرانية نجحت في تدمير عشرات الدبابات الروسية من نوع أي 72 بفضل أسلحة خفيفة مثل جافلين الصاروخ المحمول الموجه ضد الدروع.
وتمتلك روسيا أسلحة على شاكلة جافلين الأمريكية وهي صواريخ كرزنتيما المخصصة لمواجهة الدبابات، ثم نسبة كبيرة من الدرون خاصة الانتحاري الذي استوردته من إيران علاوة على تفوق جوي مطلق. وكل هذا، يجعل الدبابات الغربية تعرقل نسبيا التقدم العسكري الروسي إذا قررت موسكو احتلال مناطق أخرى لكنها لن تفيد في تقدم الجيش الأوكراني نحو أقاليم الشرق أو استعادتها. وكانت الصحافة قد اعتبرت أن صواريخ هيمارس الأمريكية ستقلب موازين القوى، وتبين أنها ألحقت بعض الأضرار بالقوات الروسية لكنها لم تمّكن الجيش الأوكراني من التقدم نحو الشرق.